.«الدّاحلون»

[review]أتخيل الأردن في لحظة من اللحظات بيتاً ريفياً بسيطاً، تحدّه أربعة حدايد، وجيران طيبون ينامون باكراً، وجيران ملعونون يعرفون النوم أبداً، أتخيله بيتاً مسوّراً من حجارة الدار، فيه حبل غسيل مربوط من الرمثا الى العقبة، والدشاديش وسراويل الفوتيك، تُثقل الحبل، فيتدلّى بجرش والسلط…أتخيل الأردن بيت شَعر كبيرا، فيه شقّ وفيه «محَرَم»، مليون ونصف مليون نشمي يعيشون بالشق، ومليون ونصف مليون نشميّة، يعشن بالمحرم… عندما تتكثّف السماء بزرقتها لتصبح عين الحبيب، وعندما يتكثّف الوطن فيصير بحجم غرفة أمي… عندها يتكثّف الحب ويغدو تنهيده قطبية ثم يتساقط شوقاً…في هذا البيت المسوّر بأربعة حدايد، يتوحّد حال الأردنيين، وتتوحّد أجوبتهم، تتوحّد شكواهم، وتتوّحد أطعمتهم، تتوحّد ساعات نومهم، وتتوحّد رنّات استيقاظهم، تتوحدّ طوابيرهم، وطوابينهم، صاجاتهم، وخبز الشراك، يتوحّدون في كل شيء.لكن هناك مصطلحا يوحّدنا أكثر من كل ما ذكر، هو مصطلح «الدحل» .. فإذا ما سألت طالباً جامعياً عن علاماته وسير دراسته يجيبك : « داحله »، وإذا ما سألت الموظّف عن وظيفته فسيقول : «داحله »، والعريس الجديد يصف زواجه ب«الداحل»، وصاحب الدكّان يقول أن شغلها «داحل»، وحتى علاقات الحبّ تكون في أغلب الأحيان «داحله»، والغربة بالنسبة للمغتربين « داحله »، الخبّاز، والنجّار، والطوبرجي، وسائق السرفيس كلهم «داحلون»، ففي جوابهم هذا يكونون قد فتحوا الباب أمام كل أحتمالات الدنيا للدخول منه.و« الدحل» يشير بالعادة الى نزول أو أنحدار أوالرجوع الى الوراء، فلا نستطيع أن « ندحل» شيئاً باتجاه الأعلى، وفي الوضع الطبيعي لا «يدحل» الشيء على مكان مستوٍ الاّ اذا كان هناك مؤثّر «يدحله» …كما يشير مصطلح «الدحل» من ناحية ميكانيكية ،الى أن الجسم المدحول ليس في وضع تشغيل، فالسيارة تُدحل _ بضم التاء- إذا كانت عاجزة عن التشغيل لنفاذ البطارية أو لأي عطب آخر…لذا فجميع « الداحلين » أعلاه، هم في وضع انحدار و في وضع « طفي »، آملين من هذه « الدحلة » طويلة الأجل أن تحدث «نتعة » أو «تعشيقة» يعودون فيها الى وضع التشغيل المفقود…لم أسمع من وزير واحد يقول أن وزارته «داحله»، فكل الوزارات في وضع تشغيل والحمد لله، رائحة «الكاوشوك» ولونه الداكن في مواقف الوزارات..دليلٌ على أن هناك ثمّة تشغيلا وربما «تفحيط» ،بل أن هناك ثمّة «خمسات وثمانيات» على الأسفلت الناعم، ولكن كل ما نخشاه أن يكون «تفحيط » ..على الواقف.ahmedalzoubi@hotmail.com  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى