تحت الضوء

#تحت_الضوء
د. هاشم غرايبه

كثيرا ما تصطدم بأشخاص مؤمنين ملتزمين بأداء العبادات، لكنهم عند سماعهم المطالبة بقيام #دولة_إسلامية ينتفضون رافضين.
قبل المسارعه الى اتهامهم بالنفاق، يجب البحث في سبب هذه المفارقة، إذ لا معنى لإيمانهم، فمن يؤمن بمنهج يفترض أن يسعى لتطبيقه.
هذه الفئة من #المسلمين لا تقتصر على الجاهلين بمرادات الدين، فيظنونه مجرد صلاة وصوم، ولا يريدون معارضة الأنظمة الحاكمة المعادية لمشروع الدولة الإسلامية، فيمسكون بالعصا من الوسط، بل تشمل أنصاف المثقفين، من المنخرطين في التيارات القومية واليسارية التي نشأت بعد سقوط الدولة الإسلامية، وطرحت منهجا بديلا، لأنهم يتهمونها بأنها سبب التخلف الذي حاق بالأمة في القرن الأخير من حكم الدولة العثمانية.
الغالبية من الطرفين هم مؤمنون يخشون سوء العاقبة يوم القيامة، فيؤدون العبادات الفردية، ويعتقدون أنهم بذلك ينجون من عقاب الله.
فما الذي يخيفهم في تطبيق منهج الله؟.
الفئة الجاهلة تعتقد أن الله أنزل الدين لبيان العبادات للناس، ولا تعلم أنه لتنظيم الحياة للأفراد والمجتمعات، ولن يتحقق ذلك بالوعظ، بل بتبنيه نظاما سياسيا، يفرض تطبيقه بكافة أوجهه الاقتصادية والاجتماعية.
الفئة التي تتبع التيارات السياسية التي تؤمن بأنها ستحقق التقدم المطلوب للأمة باتباع المناهج السياسية الأوروبية، والتي يطلق عليها (الديمقراطية)، تعتقد أن المنهج الإسلامي ماضوي متخلف عن متطلبات العصر، واعتقادها هذا ليس مبنيا على البحث الموضوعي المقارن بين المنهجين الأوروبي والإسلامي، بل منقول بلا تمحيص عن أتباع الغرب، الذين شنوا حملات تشويه منذ القرن التاسع عشر، لتفتيت الدولة العثمانية من الداخل.
فالعداء الغربي التاريخي للإسلام، تمثل بتصويره على أنه منهج متخلف، وتم ترسيخ هذه الصورة في تأسيس كيان (داعش)، ولربط هذه الصورة بالإسلام أطلقوا عليها مسمى الدولة الإسلامية، وتمثلت باختصار الإسلام بقطع الرؤوس والأيدي والرجم وتفجير المساجد والأسواق، مغفلين ما عرفت به الدولة الإسلامية الحقيقية من تحقيق الأمن والاكتفاء الذاتي والعدالة الإجتماعية، وما تميزت به من تشجيع العلم والتقدم الحضاري في كافة المجالات، ومن تحقيقها لحرية المعتقد وضمان ذلك لغير المسلمين.
فهل يعقل أن الدولة الإسلامية التي سادت العالم، ونشرت أعظم حضارة عرفها التاريخ طوال اثني عشر قرنا، تختصر في رجال يلبسون السواد، عيونهم تقدح شرا، وتنحصر مهامهم بالتدمير وبقطع الرؤوس!؟.
من يصدق ذلك، ويعتقد أن تلك هي صورة الدولة الإسلامية إن أقيمت، إما غرٌّ جاهل، أو مغرض حاقد.
يتقاسم المسؤولية من التنفير من هذه الدولة المتشددون، الذين يصرون على استنساخ الصورة النمطية القديمة، بخليفة يلبس عمامة ويمسك بكل السلطات ويعاونه وزير، وأما النظام الاقتصادي فهو مجرد بيت للمال مفتاحه بيد الخليفة، ويقول: يا غلام أعط هذا الشاعر مائة ألف.
هذا كله من التصوير المزور الذي حفل به التراث، ولا علاقة له بالدين.
الدين ترك النظام الإقتصادي لاجتهادات البشر وحسب تطور تجاربه، لكنه أكد على مبدئين أساسيين: أولهما أن المال أداة لتحريك الإقتصاد وليس سلعة (بعكس الرأسمالية والشيوعية)، فمنع الربا، وثانيهما: وجوب الزكاة، وبذلك حقق عدالة وقارب بين الطبقات بدل تصارعها.
وأما النظام السياسي فلم يحدده، ولم يحصر الرئاسة بمسمى الخليفة أو غيره، الخليفة لقب أطلق على أبي بكر كونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤسس الدولة وبانيها، وكل من جاءوا بعده كان مسماهم أمير المؤمنين.
المقارنه حتى تكون عادلة يجب أن تكون بنظير من ذلك العصر، النظام السياسي العالمي من القرن السابع حتى العشرين لم يعرف الإنتخابات ولا توزيع السلطات الثلاث، لذلك ليس عدلا أن يقارن نظام الإدارة السياسية للدولة الإسلامية، بالنظام المعروف حاليا بالنظام الديمقراطي، والذي جاء ثمرة لجهود الحضارة الإنسانية متكاملة وليست منتجا حصريا للحضارة الأوروبية.
فلم يكن الانتخاب متاحا في سالف الزمان، فلا قيود وسجلات تحدد الناخبين، ولا قدرة على التواصل بسبب محدودية وسائل الإتصال، فكان اختيار صفوة المجتمع (أهل العقد والحل) للأمير، الذين يقابلهم حاليا مجلس الشيوخ أو اللوردات في الغرب، هو الأمثل آنذاك، لكن الإسلام كان يتفوق بـ (البيعة)، فقبول عامة الناس هو البديل المتاح للإنتخاب.
لذلك فالدولة الإسلامية المعاصرة المنشودة، لن تكون خارج الصورة التي وصلها التطور المعاصر، وهي بذلك لن تخالف ثوابت الشرع، والتي تؤكد حق الأمة باختيار “أولي الأمر” منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى