مقهى.دنيا…فُنيا / م . باهر يعيش

مقهى.دنيا…فُنيا

تدخل… لا تراه لاتشعر به.هو جزء من طاولة من كرسي من ركن من مقهى.هو دائم الوجود الى حدّ أنّ لا أحد يشعر بوجوده, ملتصق بطاولة معينة لا فكاك منها عنه ولا منه عنه.هو يرى فيها خمّه غرزته عشّه معزله ومعتزله،يرى في ركنه المنزوي منصّة بل مغارة على قمة على ذروة يراقب منها الجميع ولا أحد يراه.يمارس كافة ما يحلوا له من أفكار سريّها وعلنيّها مستورها وفضائحيها بدون أن يشعر أحد ,هو يشعر أنّه غير مرئي تخفيه طاقية الأخفاء والكلّ واضح عريان أمامه.
كان يتردّد على المقهى قبل أن يتقاعد,كمّ من اللّعب بالألفاظ !! لا بل قبل أن(يقاعدونه)ما ضرّهم لو قاعدوه على مقعده في مكتبه في دائرته.هو لا يلمس فرقا كبيرا في القعود هناك والتقاعد هنا…هي قعدة والسلام. كانوا يتردّدون يتسرّبون خلسة سرقة من وقت الدائرة مع زمرة شلّة من زملاء إلى المقهى عندما كان يعمل فيها,يمارسون أرجيلة مع لعبة السرّاقة أو برتيّة هاند.هم مأذونون في الذّهاب ألى كشف على مصنع محل تجاري حانوت جنائزي مطعم مقهى مدرسة،تحقيق في شبهة فساد في دائرة في مجلس شركة في جمعية تعاونية او غير تعاونيّة.كان هناك دائما متّسعًا للعبة هاند ونَفَس أرجيلة. ضبط الفاسد من الطعام أو الشّراب أو الذّمم لن يضيره تأخّر ساعات في مقهى،فلينتظر الوطن ولينتظر القوم ساعات يستعدّ يرتاح فيها الضّابطون .مهامهم صعبة على مستوى الوطن والأمّة,هم الدّرع الواقي الباقي.هم يستحقّون قليلا من راحة و لعبة من هاند ونفس أرجيلة قبل الشروع بالكبسة ومثلها بعدها.
يقطع حبل ذاكرته صبيّ المقهى وهو يحضر له الطّلب الثالث والذي لم يطلبه.سيرغم على أن يتجرّع طلبا عن كلّ ساعة يقضيها في سباته في المقهى.يرحم أيام زمان حين كانوا يقضون ساعات فيها وقت دوامهم في دوائرهم والطّلبات تزخّ ترخّ على طاولتهم مجانا…ببلاش,على حساب أبي العبد تاجر الخضار أو أبي الرّعد تاجر السّكراب أو أبي السّعد تاجر المخلّلات أو فلان بيك ,أو الاستاذ فلان أو علّان.تحسّر صاحبنا على العزّ الذي كانوا يرفلون فيه ومضى انقضى ذهب مات أفل.يمدّ يده إلى جيبه يعدّ البرايز المتبقّية,يجدها لن تكفي لمزيد من وقت يقضيه.ينظر بحسرة إلى بقايا التبغ على رأس أرجيلته،بقية من تبغ كما في ذقن لم يتبق من شعرها ألّا عشوائيّات من شعر هنا وهناك .يسحب نفسا عميقا غميقا ماحقا ساحقا من دخانها وقد شارفت روحها على الزّهقان.يحبس النّفس في صدره ويكتم نفسه.هو لا يريد أن يطلق سراحه،هي سحبة الوداع قبل أن ينتهى هو والأرجيلة فيفضّان المولد. يغلب نَفَسه على أمره فينطلق من معقله محبسه على دفعات دفقات كالعطس مع كلّ سعلة كمركبة تنتّع بأكزوزت يفرقع.
يستند بمرفقه على حافّة الطّاولة(يا معين العواجز…)يبدأ بالزّحف بأتجاه باب المقهى,يلمح زمرة من موظّفين كانوا شبابا يانعين دخلوا الدائرة قبل أن يتقاعد بعام واحد.كان من ضمن اللّجنة التي أختارتهم للتعييّن بل كان…(مديرهم).كانوا يتحلّقون حول طاولة كلٌّ نربيش أرجيلته بيمينه وأوراق من لعب بيساره وبواقي من كؤوس مشروبات على حساب الأجاويد أولاد أبي العبد وأبي الرّعد وأبي السّعد تملأ أطراف الطاولة ومنصّات حمل الطلبات من حولهم.نظر تحسّر أنسلّ ومضى وسط سعلة مخنوقةً،إييييه…دوّارة يا دنيا.دنيا…فُنيا!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى