من سيتربع على عرش قلبك وعقلك؟ / د. ديمة طارق طهبوب

د. ديمة طارق طهبوب

شعرت أوروبا أن لا قِبل لها بمنظومتنا الأخلاقيه والأسرية عن طريق فرض القوانين أوالعولمة؛ لأنه بالرغم من التدهور والتغييرات الاخلاقية التي نشهدها في الدول العربية الا أنها لم تحمل لواء المجاهرة اوالتشجيع على الفاحشة علنا، وما زال في المجتمع بقية باقية تعض على الفضيلة بالنواجذ، وكلما كان الضغط مباشرا وسافرا كانت المقاومة أكبر، وكأن الشعوب ترجع بذاكرتها الى أيام مقاومة المستعمر وأدواته ولا ترضى بالتسليم او الرضوخ.

ولما كانت هذه الحالة فقد عمد الغرب الى وسائل أكثر نجاعة وأدوم أثرا بالرغم انها تستغرق وقتا طويلا لتؤتي أكلها، وهي الوسائل التعليمية والاعلامية، يتسللون الى المناهج وآداب الشعوب؛ لان التعليم كما قال الشاعر الاردي «هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي ثم يكونها كيف يشاء، ان هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيرا من اي مادة كيميائية فهو الذي يستطيع ان يحول جبلا شامخا الى كومة تراب» ويخترقون وسائل الاعلام فالتلفزة والسينما من وسائل الهيمنة الناعمة على العقول، وبسياسة النفس الطويل «يفسخون» الأخلاق واحدا تلو الآخر دون معارضة ولا مقاومة؛ فالمشاهدون يتوهون في القصة وينجذبون في دوامة الحبكة ولا بأس بلمسة من هنا وقبلة من هناك ومشهد ساخن هنا وهناك، وأول مرة ننتفض ثم نعود للمتابعة ثم نغض البصر ثم لا بد من فهم التفاصيل ثم وثم وثم لا نعود نبالي بمن اقترف الفاحشة، بل يصبح بطلا، وتصبح بطلة نتمنى لهم نهاية سعيدة، فهل ينتهي الأثر بعد الكلمة الاخيرة في الكتاب او اللقطة الاخيرة في العمل التلفزيوني ثم ننسى كل شيء وكأن أسماعنا وابصارنا وافئدتنا ليست مواد حية تتأثر بكل ما سبق؟!

في التسويق الغربي للأدب والفن هناك قاعدة معروفة تقول «الحب والجنس يبيعان love and sex sell» وبهذا يجب حشر هذين العنصرين حتى في قصص الاطفال! وبما أننا دول مستوردة للانتاج الاعلامي فنحن نأخذ ما يفد الينا دون تنقيح، وفي زمن غابر كانت بعض الدول تقطع المشاهد والان اختفى هذا «الحياء التلفزيوني»، ولم يعد هناك تقطيع او ارشادات اسرية او فترات برامجية، كله مفتوح وعلى عينك يا تاجر!!

الغريب ان الانجذاب لعمل أدبي او تلفزيوني معين أصبح موضة وليس خيارا شخصيا مبنيا على التقييم والمعاينة والمبادئ! فتجد اصحابك يقرؤون العمل الفلاني فتقرؤه وتستحي ان تقول انه لم يعجبك مثلا في ظل طوفان من الاشادة والاقبال، تستحي ان تغرد خارج سرب المشدوهين بهذا «الابداع الفذ» المنقطع النظير! تستحي من ضغط الأقران ورأيهم «بتطورك» العقلي والذهني و»عُقدك» فتقول كما قالوا او تكتفي بالصمت البليد!

مقالات ذات صلة

نجد هذه الظاهرة في مسلسل انتشر مؤخرا بين الشباب مبني على رواية شبابية من الروايات الاكثر مبيعا بعنوان لعبة العروش Game of Thrones، وحتى لا نختلف على مضمونه فإن الموقع الفني المشهور IMDB يصفه كالتالي «دليل الى الآباء: المسلسل يحفل بمشاهد الجنس بكل أنواعه والعري واللغة الفاضحة ومشاهد العنف والتعذيب والاغتصاب والسِفاح»!!! مما أدى الى أن تقوم بعض الدول بحسب الموقع الرسمي للمسلسل بمنع بث بعض الحلقات لما فيها من شطط يفوق حتى المقبول في دولة أجنبية!!!

ثم يأتي بعض شبابنا ليتابعوه ويشجعوا على متابعته ويناقشوه ويتشدقوا ان لا حلال ولا حرام في الأمر، وان المُشاهد يجب ان يركز على القصة ويفلتر ما دونها! واي فلترة ممكنة لمسلسل مبني في كل مفاصله على ما سبق ذكره؟! ألم يعد هناك حدود حقا فيما يمكن مشاهدته من الافلام، ولم يعد هناك حد أدنى من المقبول والمرفوض؟ هل أصبحنا أتباعا لمدرسة الفن للفن ولتذهب الأخلاق الى الجحيم؟ هل انتكست فطرتنا الى هذه الحد حتى ما عدنا نستطيع ان نرى الحرام ونميز الحلال؟ ماذا قد يشجع شابا مثقفا قد تربى تربية عربية ويعتبر نفسه مميزا وملتزما، مودرن او دقة قديمة، أن يتابع هكذا مواضيع؟ ام قد صدق من قال «ان الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة»؟ ثم ما هذا التناقض؟ يسمح لنفسه ان يتابع هذه الحثالة التي لن تضيف له شيئا ثم يصبح مستشيخا على أهل بيته ومحارمه؟ اليست فواحش الخلوات مأساة أدوم أثرا لا تلبث ان تغير في القلب والاعتقادات والعبادات؟ أليس ما تراه بعينك مدخلا لما تعقله بقلبك؟ وحتى المتابعون بعين الفضول لا يلبثوا ان يتحولوا الى متابعين ولا ينجون من الشرك اوالصنارة الا من اجتنب مزالق هو أدرى بنهايتها!
نعم لقد نجحوا في معركتهم بقبولنا واقبالنا ورأينا المتذبذب الذي لا يستطيع ان يقول للحرام حرام في عينه، بل يناور حول الشبهات حتى يقع في الحرام دون دراية او بدراية واصرار وتجاهل للخطورة!

انها ليست لعبة وان كنت أنت المعلوب بك، إنها جريمة وانت الضحية الذي تجلس فاغرا فاهك تائها في الحبكة، مطالبا بالمزيد،
إنها الحرب على عروش قلوبنا وعقولنا وقد انتصروا فيها أيما انتصار!

يقول جاك فالنتي أحد خبراء الاعلام «ان واشنطن وهوليود انبثقتا من النواة نفسها» فالاعلام صنو السياسة وما تعجز عنه حروب السياسة ينجزه الاعلام، وأنتَ وأنتِ المُستعمَرون والأسرى من حيث تدرون او لا تدرون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى