حمرنة طيارة

حمرنة طيارة
جروان المعاني

على مدار تاريخ الانحدار العربي لم تصل (الامة العربية) الى ما وصلت اليه هذه الايام من تفكك وتخلف، ان الامرين متكاملان سواء على مستوى امتداد الوطن العربي الكبير او داخل القطر الواحد، حيث العجز والهوان والتبعية واسرار الصراعات في عصر ما قبل عشائر الفيس بوك وتويتر هي نفسها التي كانت ما قبل عام 1800م حين اعلن اول اتفاق حماية بريطاني مع قبيلة عربية ما زالت تحكم حتى اليوم.
ربما نحن الجيل الواقع ما بين وسيلتي النقل التاريخيتين الحمارة والطيارة اكثر الناس ادراكا وحزنا على ما يجري، حيث حرمنا السفر الى سوريا والعراق ومصر وليبيا والسعودية وغيرها من البلدان إذ يفشي الفيسبوك وتويتر بآرائنا فترصده اجهزة الاستخبارات العربية التي تتقن فن التجسس على يومياتنا، وبكبسة زر يمكن القضاء على جودنا ومحو تاريخنا النضالي الفيسبوكي، كما يمكن الاستدلال بها على خياناتنا وتقديمنا للمحاكم بتهم افساد العلاقات بين الدول الشقيقة أو حتى افساد الروابط الزوجية.
ما حرضني للكتابة حول هذا الموضوع كتاب اوراقه اصفرت يخمل عنوان علم الاجتماع العربي للصف الثالث الثانوي في الجمهورية العربية السورية للعام 1976م حيث يستفيض في الحديث عن العلاقة بين القومية والدين والخطر الصهيوني واستفحاله، وكيف ان خلق هذا الكيان سيكون كارثيا على الامة العربية والاسلامية، كما يُفصل خطر الرأسمالية ويعلي من شأن الاشتراكية ويحذر من خطر الديموقراطية .!
تشابكت وتشاكلت على الجيل الحالي كثرة المفاهيم والمصطلحات، وتم حشو المناهج بخزعبلات تاريخية وتمجيد للحكام في كافة البلاد، ويكاد كل من ولد بعد عام 1995م يكون معول هدم في روح الامة إذ انجبناهم محض شهوة أو واجبأ اجتماعياً، لينادى علينا بأبي فلان، وعليه مثلاً أجد إن تصريح وزير النقل بأن ازمة المواصلات في الاردن سرها زيادة عدد السكان صحيحا، وأضيف بأن الامية المنتشرة في العراق وسوريا واليمن وليبيا سببه الاساس ايضا زيادة عدد السكان الذين لا يعرفون انتماءً لبلادهم بل هم اكثر انتماءً للعالم التويتري والفيس بوكي إذ أن كل بطل من ابطال الفيس بوك يستطيع ان يجمع حوله من المريدين والاتباع اكثر مما يستطيعه اي حاكم من حكام العرب، وان ممثلة تستطيع هز عروش ان ابدت شيئا من فتنتها .
ما لا يدركه وزير نقلنا الجهبذ وكل وزراء الديجتال وعلى مدار تاريخنا المبجل انهم مفضوحين وانهم يجب ان يعملوا بصمت وان يتجنبوا مواجهة الناس حتى لا يثيروا حفيظة ما تبقى من الجيل التائه بين الحمارة والطيارة، ولا ادري لماذا دولة الرئيس لا يتخذ قرارا بوضع ناطق اعلامي لكل وزارة خاصة بعد دمج المؤسسات، وعليه ان يستحدث مؤسسة الناطقين الاعلاميين لأصحاب المعالي حتى يجنبهم ويجنب نفسهم الغضب الفيس بوكي والتويتري، كثيرة هي هموم دولة رئيس الوزراء مما يوجب تخصيص مسار خاص به على طريق الباص السريع .!
تشرذمنا كعوائل، وتفتتنا كدول ومؤسسات وعشائر، وفقدنا كل حس بالانتماء والولاء وكل منا يبحث في الفيس بوك وتويتر عن فرصة لبناء علاقة خارجية تسهل له عملية الرحيل عن البلاد، هربا من ازمة المواصلات وتحقيقا لرؤية دولة الرئيس حين قال (لا تهاجر يا قتيبة)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى