الشعوب المضبوعة

الشعوب المضبوعة
م. عبدالكريم ابو زنيمة

في صبيحة أحد الايام نزل رجل ضخم البنية طويل القامة مفتول العضلات على قرية ويداه ملطختان بالدماء وبعض من ملابسه ممزقة، كان منظره يدل على انه خارج من نزال، ما ان وصل الى المكان الذي يتجمع به اهل القرية حتى وقف الجميع والرعب باد عليهم، تسابق كل منهم ليرحب به ويجلسه وتسابق اخرون لاحضار الماء وصبه على يديه، وتنافس الكثير منهم ليحظى بشرف أستضافته أولاً.
مضت الايام وهذا الغريب محل اهتمام وترحيب ويوما بعد يوم اصبح الآمر الناهي في كل كبيرة وصغيرة، تمضي الايام ويصبح الغريب سيد القرية ويصبح له اتباع واعوان، تغول هو واتباعه على كل كل شاردة وواردة واهل القرية لا يحركون ساكنا والخوف والرعب استوطن قلوبهم وعقولهم واصبحوا هم الغرباء في قريتهم يقتاتون على فتات ما يفيض لهم من الغريب واعوانه وزبانيته ولم يجرؤ اي منهم تحريك ساكنا بوجه الظلم الذي لحق بهم.
في احد الايام ذهب الغريب كعادته وحيدا الى النهر المجاور للقرية ليستحم، لحق به شاب من القرية قاصدا قتله وتخليص اهل قريته من ظلمه وتجبره بهم، اقترب لمسافة كافة لاغتياله متخفيا بشجيرة كان يقف خلفها ذلك الغريب، لكنه سمع من الغريب كلاماً اذهله..الغريب يلوم ويؤنب نفسه..نظر الشاب من خلال الشجيرة واذا الغريب يعاين جسمه وينظر الى عضلاته المفتولة ويقول: يا خسارة العضلات لو عندي شيء من الشجاعة والجراة وقوة القلب! ما ان سمع الشاب تلك الكلمات حتى انسل وقفل راجعا الى القرية منتظرا عودة الغريب من رحلة الاستحمام، عاد الغريب وجلس متباهيا وسط اعوانه وزبانيته وجمع من المرتجفين حوله، تقدم ذلك الشاب بكل جراة من الغريب وبلا اية مقدمات صفعه على وجهه طالبا منه الركوع على ركبتيه! ساد وخيّم الذهول والاستغراب على الجميع! ركع الغريب على ركبتية بلا تردد! سأله الشاب بنبرة الآمر: قل لي .. ما هو الدم الذي كانت يداك ملطختان به عندما قدمت علينا! تردد قليلاً بالاجابة..صفعه الشاب بقوة مرة ثانية ونهرة بالاسراع بالاجابة..بصوت مرتجف قال: دخلت حظيرة اغنام لسرقة خاروف..ولكي لا يفتضح امري قمت بذبحه داخل الحظيرة وحملته..وما ان خرجت حتى تنبه لي صاحب الماشية وطارني هو وعشيرته لكنهم لم يدركوني، وفي اليوم التالي وصلت الى قريتكم..خاطبه الشاب قائلاً: ولماذا مّثلت علينا دور البطولة وتجّبرت بنا طوال هذه الزمن؟ أجابه الغريب: أنا لم أمثل عليكم يا سيدي ولم أتجبر بكم.. أنتم لم تسألوني عن حقيقتي وخوفكم هو الذي تجبّر بكم! امام هذا المشهد استيقظ الناس من خوفهم وأنكسر بداخلهم حاجز الرعب الذي عاشوه وهاجموا الغريب واعوانه وكل منهم استرد ما سلب منه.
هذه احوال شعوبنا العربية المسكونة بالخوف والرعب للاسف! يتحكم بمصيرها ثلة من اللصوص ينهبون الثروات ويغرقون البلاد بالفساد، وهذا هو حال حكامنا الذين يرتجفون خوفاً من أسيادهم في البيت الاسود الملطخة يداهم بدماء الشعوب، الشعوب المضبوعة المسكونة بالخوف لن تعيش الا بالذلة والهوان والضنك، أما الحكام المحمية عروشهم من قبل اعدائنا ويدفعون لهم الجزية لن يبنوا لنا أوطاناً نعيش بها بعزة وكرامة، اللصوص لا يفكرون ماذا يقدمون للوطن بل ماذا يقدم لهم الوطن.. لا يفكرون ملء خزائن الوطن بل كيف يفرغونها وخزنها بارصدتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى