انتظار . . / أحمد المثاني

انتظار . .

في محطّة القطار ، و حيث تمتدّ
قضبان الحديد المتوازية ، إنها سكّة القطار
التي اختطها الإنسان لهذا الحصان الحديدي الذي يسافر بالناس إلى البعيد ..
في صالة الانتظار ، و على المقاعد الخشبيّة العتيقة ، جلس المسافرون بانتظار رحلتهم و كل إلى وجهته ..
ثمة صخب و أحاديث تمتزج بدخان السجائر و سعال العجائز .. في الصالة التي
تدلت من واجهتها ساعة مستديرة ، لم تسلم من غبار الزمن .. كانت تلك الساعة تحيل الزمن الى فُتات من الدقائق .. و الثواني
بعضها ثقيل و بطيء .. و بعضها ممزوجاً بألم الاغتراب و الرّحيل .. كان بعض المسافرين يحتال على ملل الانتظار بسرد القصص و تبادل الفكاهة مع من جاوره على المقعد ..
في وجوه المسافرين تقرأ لكل منهم قصّة ..
فهذا شاب مازالت قبلة أمه على خديه ، مبللة بدموع وداعها ، لطالب حمل أسفاره نحو بلد أجنبي ، ليكمل تعليمه .. و هذا رجل يصطحب أطفاله الصغار ، بعد أن توفيت زوجته .. ليودعهم عند خالتهم في القرية .. و هذان شابّان جلسا على انفراد و قد أخذتهم نشوة الصّبا ،، فراحا يتهامسان و يضحكان… و هناك و هناك .. قلوب موجوعة و أخرى مرتجفة ..
في محطّة القطار ، و مثلما صالات الانتظار التي نجد أنفسنا فيها بحاجة لدفء الصحبة .. و تأخذنا طبيعتنا الانسانية إلى شهوة الحديث مع الآخرين .. و يدفعنا فضولنا الانساني لسماع القصص و الحكايا
و كذلك معرفة الأسرار و الأخبار ..
إنها حاجتنا لمن يسمعنا أحيانا ، فنتعرف الى رفيق السفر .. و نبني صداقة ، نتمنى أحيانا أن تدوم ..
في محطّات السفر نلتقي أحيانا بشبيه او شريك لنا بقصتنا .. أو معاناتنا .. نلتقي بأناس فنفتح لهم خزائن أسرارنا .. و ننال منهم الثقة كي نبوح لهم بما لم نجرؤ على
كشفه ..
في محطّة القطار .. ثمّة صداقات و ثمّة
حكايا .. تقطعها صافرة القطار ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى