الطب النبوي / د. هاشم غرايبه

الطب النبوي

عُرِف الطب منذ القدم كعلم تجريبي، تناقل البشر فيه المعارف والخبرات على مدى العصور، لذلك ظل في تطور مستمر، وما زال الإنسان يسعى لمعالجة كثير من الأمراض المستعصية، ورغم ما تحقق من تقدم هائل، إلا أنه لم يحقق الى اليوم رُبعَ المأمول.
في زمن النبوة كانت المعرفة البشرية في الطب في أدنى المستويات، وذك بسبب عدم التواصل المعرفي بين الأمم، وكانت المداواة عند العرب تقتصر على استعمالات بعض الأعشاب البرية، والجراحة تقتصر على الحجامة والختان، بعد الإنفتاح العقلي والفهم للواقع الذي أحدثته الرسالة الإسلامية، حدثت فتوحات علمية متعددة في علمي الطب والجراحة، مثلما جرت اكتشافات كثيرة في الأدوية والعقاقير، فتسنم الأطباء المسلمون سدة الطب في العالم عشرة قرون.
قبل ذلك التطور، وفي عصر التنزيل، ومع إنبهار المؤمنين بالحكمة البالغة التي منحها الله تعالى لنبيه الكريم في أمور العقيدة والدين والكون، لم يكونوا يمتلكون المعرفة ولا الوسائل التي تجعلهم يميزون السنة النبوية التي هي وحي إلهي وعلم خالص لا ينتابه الشك ولا يلزمه البرهان، وبين آراء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الأمور الحياتية اليومية التي هي حصيلة خبرته ومعارفه البشرية.
ولم يتركهم صلى الله عليه وسلم في حيرة من الأمر، فقد بيّن لهم أن الوحي لايكون إلا في أمور الدين، وماهو من أمور الدنيا فهو من رأيه وخبرته كبشر، وفي حديث تأبير النخل دليل قاطع على ذلك:
قَدِمَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقَالَ : مَا تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ: لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا، فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ (أي لم تثمر)، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فقال: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ [رواه مسلم في صحيحه حديث رقم/2362] .
رغم ذلك فقد استمر ذلك الخلط، وظهر جليا فيما دعي بالطب النبوي، والذي وجد المشعوذون والدجالون فيه مجالا واسعا للتكسب بمعالجة الجهلة والبسطاء، بادعاء أن ما يقدمونه هو وصفات علاجية جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويُأوّلون الآية الكريمة: “قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ” على أنها دليل على التداوي بالقرآن الكريم من العلل الجسدية، رغم أن المفسرين أجمعوا على أن المقصود بالشفاء هنا هو من الجهل ومعايب الأخلاق.
إن من يطلع على ما نشر في باب ما يدعونه بالتداوي بالقرآن، يندهش لحجم ما نشر في هذا المجال من الخزعبلات التي يأتي بها دجالون يتكسبون مالا حراما من إيهام من أصيبوا بأمراض مستعصية بالشفاء، والذين يتعلقون بأية قشّة أمل ولو كانوا يدركون أنها خداع، ويختبئ هؤلاء الدجالون خلف آيات الله الكريمة حتى لا يجرؤ أحد على اتهامهم بالدجل والشعوذة، ويناصرهم كثير من الجهلة الذين يظنون أنهم بذلك يعظمون من قدر القرآن.
يجب أن يوقن المؤمن بأن الله لم يبعث نبيه طبيبا مداويا ولا عالما بالفلك أو بالكيمياء بل هاديا للبشر ومبشرا ونذيرا، فتلك علوم تطبيقية، يحصلها البشر مؤمنهم وكافرهم بالدرس والتعلم والبحث، لكن تبليغ الرسالة عمل جليل لا يتأتى إلا لفئة الأنبياء.
ولا ينتقص من علو شأن نبينا الكريم أنه لم يكن ضليعا بعلوم الدنيا الطبية أو الزراعية، لكن ما يسيء له أن ينسب إليه بهتانا وصفات طبية لأمراض وعندما يؤخذ بها يجد المريض عجزها عن تحقيق الشفاء.
لو أراد الله لنبينا أن يكون طبيبا مداويا لعلل الأجساد، لأوحى إليه على الأقل بمسببات الأمراض (الميكروبات) قبل أن يخترع العلماء المجهر ويعرفوها، لكنه أراده لمهمة أرقى وهي الهدى وشفاء لما في الصدور من جهل وتخلف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى