صحة الناس والنمو الاقتصادي في عالم “كورونا”

صحة الناس والنمو الاقتصادي في عالم “كورونا”
أحمد عوض

بالرغم من الأهمية الكبرى للحفاظ على صحة الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية ودعم النمو الاقتصادي، فإن الحفاظ على صحة الناس وحياتهم يجب أن لا يضاهيه أية أولويات أخرى.
ولعل المفاضلة بين هاتين الأولويتين هو من حدد ملامح السياسات الحكومية في مختلف انحاء العالم، لمواجهة الانتشار السريع لوباء “كورونا المستجد” وفق معادلة أيهما أكثر أولوية في هذه المرحلة، النمو الاقتصادي أم صحة وحياة الناس وسلامة المجتمعات.
يأتي ذلك في ظل تأكيد وإصرار كافة المؤسسات الصحية وخبراء الوبائيات على أن استراتيجية “التباعد الاجتماعي” هي الاستراتيجية الأكثر فاعلية في منع انتشار هذا الفيروس وتقليل مخاطره على البشر – طالما لا يوجد علاج فعال للمصابين فيه – والتي تتطلب الوقف المؤقت لغالبية الأنشطة الاقتصادية التي تتطلب تجمع الناس مع بعضهم البعض.
وفي هذا الإطار، تفاوتت استجابات الحكومات في مختلف دول العالم لتطبيق السياسات التي تراها مناسبة ما بين هذين المحددين، وتلتزم حكومتنا والحمد لله بتبني الموقف الذي يعطي الأولية الأساسية للحفاظ على صحة وحياة المواطنين والمقيمين في الأردن، وتسمح للقطاعات الاقتصادية الحيوية فقط بممارسة أعمالها مثل الصناعات الغذائية والدوائية والإنتاج الزراعي وما يرتبط بها من أنشطة تجارية مختلفة، للحفاظ على الحد الدنى من متطلبات الحياة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أخذ العديد من رجال الأعمال في الأردن بممارسة الضغوط على الحكومة بشكل علني وغير علني للسماح للقطاعات الاقتصادية غير الحيوية بممارسة اعمالها بشكل طبيعي، بحجة أن عجلة الاقتصاد يجب أن تستمر، حتى وان ترتب على ذلك تبعات صحية على حياة العاملين.
وعلينا في هذا المجال ان نتعلم الدروس من الدول التي تهاونت في تطبيق استراتيجية التباعد الاجتماعي لمواجهة هذا الوباء من قبل العديد من السياسيين والاقتصاديين في مواقع المسؤولية وخاصة في الدول الرأسمالية الكبرى.
حيث ذهبت العديد من حكومات هذه الدول نحو إعطاء الأولوية لحماية الاقتصاد بمفهومة الضيق (مصالح الشركات)، وكانت النتيجة التسارع الكبير في أعداد الإصابات والوفيات، ما شكل وسيشكل ضغطا كبيرا على أنظمتها الصحية، ودفع بعضها الى الانهيار، وبعضها في طريقه للانهيار.
بالمقابل ذهبت سياسات الدول التي تقودها حكومات تستند منظوماتها الفكرية والقيمية (ايديولوجياتها) بعدا أوسع للحمايات الاجتماعية، الى اتخاذ إجراءات وسياسات حازمة لحماية مواطنيها باعتبارها أولوية قصوى تسبق أية أولويات أخرى.
صحة الناس وحقهم في الحياة يجب ان تكون قبل النمو الاقتصادي والنشاط الاقتصادي من حيث الأولوية، هذه هي القاعدة التي يجب على جميع السياسيين وصناع القرار الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم الأخذ بها.
حماية الشركات بمختلف احجامها واستمرار النشاط الاقتصادي أولوية ثانية بعد زوال المخاطر الصحية على المواطنين، لذلك فإن استمرار العمل بالحجر الصحي للناس والتوسع به ضرورة قصوى في الوقت الراهن، وعلى الحكومات بما في ذلك حكومتنا الأردنية أن لا تعير اهتماما لمطالبات العديد من القطاعات الاقتصادية غير الحيوية للسماح لها بالعمل بحجج الحفاظ على عجلة الإنتاج وديمومة الأنشطة الاقتصادية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى