شريعة حمورابي

شريعة حمورابي
أ.د عبدالله عزام الجراح

تقول الروايات التاريخية إن الملك حمورابي أول من دون القانون البابلي على حجر ووزع نسخا من شريعته (شريعة حمورابي) في جميع ارجاء مملكة بابل في العام 1760 قبل الميلاد ليراها ويعرفها جميع الناس. وتشير الدراسات إلى إن الغاية من القوانين والأنظمة، تنظيم حياة الناس وتنظيم علاقاتهم يبعضهم البعض، وعلاقاتهم بالدولة التي يعيشون فيها وفي مختلف شؤون حياتهم اليومية. والقانون كما يعرفه معظم الناس مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد وسلوكاتهم في جميع مناحي حياتهم.
ويشير مبدأ سيادة القانون إلى تساوي جميع الأفراد أمام القانون، وبغض النظر عن أعراقهم وألوانهم ومناصبهم أو أية فوارق أخرى قد تظهر أو تنشا لأي سبب أو اعتبار. ويحفل تاريخنا العربي الإسلامي بالكثير من الصور والممارسات التي طبقت مبدأ سيادة القانون بكل تجرد وموضوعية. ويكفي أن أشير بمثال واحد، ما روي عن ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها (عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» ؟!، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». أخرجه مسلم والنسائي
إن سيادة القانون وتطبيق هذا المبدأ فعلا على الجميع، بدون أي مواربة أو تمييز أو استثناء، يكرس مفهوم دولة القانون والمؤسسات، ويوحد جهود جميع الأفراد في بناء الدولة القوية، و التي يشعر كل مواطن فيها انه مسئول، وإن حقوقه مصانة، مهما كان وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي أو أي اعتبارات أخرى.
كما إن سيادة القانون يشكل الضمانة المهمة وحجر الزاوية الرصين في بناء الدولة الديمقراطية، وتعزيز مبادئها وغرس قيمها وتحقيق المواطنة الفاعلة التي تقوم على العمل الصادق المخلص الذي لا يميز بين المواطنين إلا بمقدار ممارساتهم الوطنية النبيلة، والذي يعلي ويقدر قيم الولاء والانتماء الصادق باعتباره المعيار الأبرز والاهم في بناء دولة الجميع.
إن احد أهم واكبر المعضلات والمعوقات التي نعاني منها في أردننا الغالي والتي أشار إليها جلالة الملك في أكثر من مناسبة ،غياب مبدأ سيادة القانون عن الكثير من الممارسات اليومية لبعض الأفراد والمسئولين على حد سواء، ممن لا يحترمون الدستور والقوانين، مع إن الدستور والقوانين جعلت الأردنيين أمام القوانين سواء، دون أي تمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين أو الجنس أو أي اعتبارات أخرى.
ومن المؤسف حقا ما يشعر به الكثير من المواطنين، من إن القانون لا يطبق إلا على فئة قليلة ومحدودة من الناس (الضعفاء والمساكين) في الوقت الذي يتغول المسئولون والأعيان والنواب والوزراء، ويضربون بالأنظمة والقوانين عرض الحائط. وان كان ثمة محاولات لتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، فان الكثير من المواطنين يعتقد إنها لم ترتق إلى الممارسات الكفيلة بسيادة القانون، وان الكثير من الممارسات التي نسمع عنها، إنما هي إنها ممارسات صورية لا تؤسس فعليا لمبدأ سيادة القانون ومحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية بجميع أشكالها. إن غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد والواسطة والمحسوبية وهدر دم مبدأ تكافؤ الفرص لهو اشد فتكا وضررا من الاستعمار الذي قد تخضع له أي دولة.
وإن غياب سيادة القانون يفت من عضد أي دولة مهما بلغت قوتها، لان قوة أي دولة تكون في متانة جبهتها الداخلية، والتفاف جميع أبنائها حول قيادتها، وتوحيد صفهم وكلمتهم لمواجهة ما قد تواجه الدولة من أخطار. كما إن غياب سيادة القانون وانتشار الفساد والمحسوبية، يجعل أبناء البلد الواحد يشعرون بالغربة وهم داخل أوطانهم ويجعلهم يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ويجعلهم فريسة سهلة لاعدائهم.
وإن احترام الدستور والقوانين والأنظمة المختلفة لبنة لا بل مدماكا مهما وقويا في بناء الدولة الأردنية الحديثة التي ينبغي أن تقوم على جهود ومشاركة جميع الأردنيين من شتى الأصول والمنابت ودون أي استثناءات. ولتحقيق هذه الغاية فان من المهم نشر التربية القانونية او الثقافة القانونية بين جميع فئات المجتمع، وخاصة فئة الشباب منهم، من خلال تضمينها في المناهج والكتب المدرسية وبين طلبة الجامعات من اجل زيادة الوعي بأهميتها وأهمية ممارستها من اجل مستقبل أفضل. وتوفير الأنظمة والتعليمات التي تمكن الطلبة من ممارسة حقهم في تطبيق مبدأ سيادة القانون وفي المواقع المختلفة في الجامعات والمدارس . كما إن من المهم أيضا تغليظ العقوبات ووضع القوانين والأنظمة التي تجرم الواسطة والمحسوبية في جميع مؤسسات الدولة المختلفة وتطبيق ذلك ممارسة حتى يلمس المواطن ذلك ويراه واقعا معاشا. إننا في الأردن الغالي ولأننا دولة فقيرة بمواردها الاقتصادية كما يقال، فإننا نحتاج أكثر من أي دولة أخرى إلى دولة القانون التي ستنمو وتسمو وتتقدم مهما كانت أو قلت إمكاناتها، والتي سيسهم جميع أبناء الأردن في بنائها وحماية مكتسباتها وتمتين جبهتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى