كي لا ننسى فلسطين / فادي القصراوي

كي لا ننسى فلسطين

تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار وذلك بعد هبوب رياح التغيير مع ثورات الربيع العربي والتي كانت كالريح الطيبة التي تأتي بالغيث النافع في مكان، وكانت كالريح القاصفة التي تحمل معها العذاب المقيم في أماكن أخرى من منطقتنا.

وأمام هذا كله انشغل العرب في همومهم الخاصة عن قضيتهم الأسمى والأهم وهي القضية الفلسطينية، فعلينا أن نتذكر أن فلسطين كانت ولاتزال أرض عربية إسلامية محتلة وفيها أقدس الأقداس الإسلامية على وجه البسيطة بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، فقد احتضنت فلسطين في ثناياها مدينة القدس، تلك المدينة الجليلة التي تأسرك بروعتها وعراقتها، فهي أرض الأنبياء، وحاضنة المسجد الأقصى (أولى القبلتين) وثاني المسجدين بناءاً على الأرض، وثالث المساجد التي لا تُشد الرحال إلا إليهم بعد الحرمين، وهي كذلك أرض الإسراء، وبوابة الأرض إلى السماء، وأرض المحشر والمنشر، ومستقر الطائفة المنصورة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين… قيل من هم وأين هم يا رسول الله ؟، فقال عليه السلام: هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

إن معاناة القدس والمقدسيين معاناة تاريخية مستمرة، فالصهاينة المحتلون يعلنون مراراً وتكراراً أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لدولتهم المزعومة، ويتدرجون بشكل خطير في تهويد المدينة والمسجد الأقصى المبارك. لم يكن يجرأ الصهاينة فيما سبق على الاقتراب من باحات المسجد الأقصى لخوفهم من ردة فعل العرب والمسلمين، لكن تلك النظرة تغيرت للأسف، فقد قالت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة بعد إحراق المسجد الأقصى من قبل المتطرفين الصهاينة عام 1969: “لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا من كل صوب لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أمة نائمة”، وحاليا يقتحم اليهود الصهاينة المسجد الأقصى وباحاته بشكل مُمنهج ويومي لفرض تقسيم الدخول للمسجد زمنيا بين المستوطنين اليهود والمسلمين، وأرى أن ذلك مقدمة لتقسيم أرض المسجد الأقصى مكانياً إلى قسمين بين اليهود والمسلمين وقد تم فضح عدة مخططات صهيونية بهذا الصدد. ولأجل تهويد القدس تمارس السلطات الإسرائيلية سياسة خبيثة تهدف إلى تهويد مدينة القدس بالكامل وبناء المستوطنات في المدينة وإرهاق أهالي القدس الأصليين بالضرائب ليقوموا لاحقاً بالاستيلاء على بيوتهم، هذا إضافة للاعتداءات المستمرة للمستوطنين على أهل القدس بحماية الشرطة الاسرائيلية، ولا ننسى جدار الفصل العنصري والذي عزل 30 ألف مقدسي عن عائلاتهم الممتدة.

وليس أهالي الضفة الغربية بمعزل عن حملات الاعتقال والتضييق والملاحقة بل والقتل لمجرد الشك في احتمالية حمل هذا الفلسطيني أو تلك الفتاة لأداة حادة فيتم القتل بدم بارد بشكل متكرر ولا يتم محاسبة هذا المجند الاسرائيلي.

ولا ننسى الجرح النازف في مدينة غزة الأبية والعصية على العدو الصهيوني، فغزة هاشم صمدت أمام ثلاثة حروب مدمرة من قبل الجيش الإسرائيلي وهو أعتى آلة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، قدمت غزة نموذجاً تاريخياً في الجهاد المُشرِّف ضد المحتل واستطاعت تلك المقاومة الباسلة من دَحرْ الجيش الإسرائيلي الذي كان يُعرف عنه بأنه لا يقهر، وكان جزاء غزة أنها تتعرض لِحصار خانق يُطبق أنيابه على القطاع، وقد هدمت هذه الحروب كثيرا من البيوت وتشردت كثير من العائلات التي لا تزال حتى الساعة تنام بالخيم وبيوت الزينكو ! إضافة لنقص شديد في الأدوية والمستهلكات الطبية بل بلغ الأمر لتوقف قطاع كبير من الخدمات الطبية حالياً بشكل كامل، إضافة للانقطاع المُستمر للكهرباء والشُح الحاد بالمياه بسبب عدم توفر الوقود لتشغيل مرافق المياه، وإغلاق معبر رفح باتجاهين أمام المسافرين، فلك الله يا غزة.

وننطلق الآن خارج فلسطين لنستعرض أحوال جزء أصيل من فلسطين تم اقتلاعه من جذوره وهم اللاجئون الفلسطينيون، فهم يعانون من ظروف قاسية أقل ما يُقال في شأنها أنها قاسية: من تفقير وتهميش، ومنع الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية والمدنية في عدد من الدول العربية ونستعرض هنا فقط معاناة جزء بسيط منهم وهم اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، فقد نالهم ما نال إخوتهم السوريين في هذه الحرب، لكنهم كفلسطينيين عديمو الجنسية محرومون من كثير من الحقوق التي نالها إخوتهم السوريين، مما دفع كثيرا منهم للهروب إلى أوروبا بحثا عن الأمن والاستقرار، ولا تزال المخيمات الفلسطينية في سوريا تُعاني من هجمات متكررة من القوات الموالية لنظام الأسد كمخيم عين التل، ومخيم درعا، ومخيم الحسنية، ومخيم سبينة، ومخيم خان الشيخ، ومخيم اليرموك، إضافة لقصف ودمار شديدين وتشريد جماعي نتيجة للصراع الدائر. بلغت الخسائر البشرية الفلسطينية في سوريا حتى 2016 م (2663) حسب الإحصاءات الرسمية إضافة للمعتقلين والمفقودين، وأضحى 50% من فلسطينيي سوريا مشردين داخليا، وعبر ما لا يقل عن 15% إلى خارج سوريا، وللأسف أن الأمم المتحدة في تقريرها عن اللاجئين الذين خرجوا من سوريا لم تتطرق إلى اللاجئين الفلسطينيين وكأنهم غير موجودون وأقل ما يُقال في هذا الصدد أن هذا التهميش يدعو للاستغراب وبناءا على ذلك لم يقدم الدعم لللاجئين الفلسطينيين من قبل الدول المجاورة لسوريا لأنهم ليسوا ضمن خطط وبرامج الأنوروا. لا أريد أن أُثقل على إخواننا العرب والمسلمين لكني أذكرهم فقط بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن القدس والأقصى ويشمل كل فلسطين كي لا ننسى واجبنا تجاه أرضكم وأرضنا الفلسطينية: “عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس ؟ فقال عليه السلام: (أؤتوه فصلوا فيه، فإن لم تأتوه وتُصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله) حديث صحيح.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى