نشرة الثامنة / وائل مكاحلة

نشرة الثامنة

عاتبتني غيداء كثيرا إذ ظنت عزوفي عن اقتناء السلاح جُبن.. تقول أني “كنت” بطلها وفارسها المغوار، وأنها “كانت” تتمنى أن تراني – كما حلمت – أحمل سلاحا لتطمئن على نفسها بجانبي، وكأن تلك الحمقاء ظنت بأنها تحب “جون واين”!!
قالت أيضا أن خوفي غير المبرر من قطعة سلاح بريئة هو نوع من “الدلع” الذي لا يجب توافره في قلب رجل!!.. لهذا كله قررت أن تهجرني!!.. لا بد أنها تعلمت ذلك من أفلام “ويل سميث” الذي هجرته زوجته كثيرا في أفلامه، حتى أصبح صاحب تيمة “البطل المخلوع” في نظري أنا على الأقل!!
في البداية رأيت في الهجر حرية تسلب العقل، ما أجمل أن تعود حرا بعد كل تلك القيود، إلتزامات الحب كالتزامات الزواج تماما.. خانقة !!.. لذا فمن الممتع أن تجرب حياة لا أسود تعسة ولا أرانب سعيدة فيها، أن تجرب الخروج على الممكن والمتاح لتحقق المحال.. أن تصبح “أنت” من جديد..
إلا أن الملل بدأ يغزو حياتي بعد نصف يوم من الحرية، ترى هل اعتزل ماركيز الناس مائة يوم حقا؟.. لا أظن أنه لو اعتزلت غيداء مائة يوم سيكون لدي البال الرائق لأكتب رواية.. سأكون قد انتحرت بالتأكيد!!
في مساء اليوم الأول تابعت نشرة أخبار الثامنة بدموع غزيرة، ثم جلست إلى مكتبي لأكتب لها رسالة اعتذار:-
حبيبتي غيداء..
أكتب إليك يا مهجة القلب وشريان الفؤاد.. وكلي شوق إلى صوتك الذي كان يأتيني عبر سماعة الهاتف كل نصف ساعة، كنت تتصلين بي لتوصيني بتناول الإفطار، ثم تتصلين لتتأكدي أني أتناول قهوتي في فنجان صغير بدلا من القدح الملون الكبير، ثم لتسأليني عن أحداث العمل منذ دخولي حتى خروجي، لا أذكر تفصيلا صغيرا من تفاصيل يومي لم تكوني فيه مستمعة أو ناصحة أو مطلعة..
كنت تمارسين كل الأدوار التي لا تنبغي إلا لأمي، هذا كان يخنقني حقا.. لكني – ويالعجبي – أفتقده اليوم بشدة!!
طوال حياتي يا غالية لم أقنع بحمل هذا الجسم البارد أو حتى مجرد رؤيته، كنت أنظر إلى الضابط الذي يزين حزامه بمسدس نظرتي إلى عملاق قادم من عالم القصص الخيالي، كيف تسيطر على هذا المجنون الأسود الذي يعبر بالمرء برزخ الحياة والموت في لحظات ولا تكون عملاقا؟!
الشجاعة والجبن من متضادات الحياة التي كثيرا ما نجدها متفقة في قلب رجل واحد دون أن نفهم كيف!!.. مثلها مثل السيف والشِّعر، والقسوة والحنان، لماذا إذا لا تعتبريني شجاعا أستطيع حمايتك من كل شرور الدنيا.. فقط هذا الشجاع المغوار يجبن عن حمل سلاح؟!!
كان هذا ما أردت به تبرير موقفي قبل نشرة الأخبار، بعد النشرة أصبحت أخجل من نفسي لأنك كنتِ على حق..
في الكرك من امتلك سلاحا استطاع به أن يحميك ويحميني ويحمي ألوفا من المسالمين أمثالنا، هناك من قدم حياته رخيصة من أجل هدف أسمى من سمو الحياة ذاتها..
فكان السلاح مبضع جراح، وكانت القلعة غرفة عمليات تسيل فيها دماء الأبطال من كل زمرة.. ليحيا الوطن!!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى