ديستوبيا / سهى عبد الهادي

ديستوبيا

ليس من باب التشاؤم ولكن من باب قراءة المشهد بشكل مجرد ضمن المعطيات المحيطة بنا ، ونحن في بدايات عام آخر نرجو من الله أن يتقلص فيه حجم الخوف والقلق والنزاعات التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة في منطقتنا ، هل نعيش ديستوبيا حقيقية ؟ وماذا بعد ؟

ديستوبيا هي عكس يوتوبيا التي تعني بحسب ويكيبيديا ( المدينة الفاضلة او الطوباوية او المثالية وهي من الفلسفات التي يتخيل فيها الكاتب الحياة في مجتمع مثالي لا وجود له ، مجتمع يزخر بأسباب الراحة والسعادة لكل بني البشر ، ويغلب بالعادة على أعمال الأدب الطوباوي طابع سياسي حالم بمجتمع فاضل يسعد أهله بلا إستثناء ، ومن هذا النوع ما كتب الفارابي في المدينة الفاضلة ، وما كتب افلاطون في الجمهورية )

أما ديستوبيا كما ورد في موقع أراجيك فهي تعني ( مجتمع غير فاضل تسوده الفوضى ، عالم وهمي ليس للخير فيه مكان ، يحكمه الشر المطلق ، ومن أبرز ملامحه الخراب ، والقتل ، والقمع ، والفقر ، والمرض ، بإختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته ، يتحول فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضا )

قد يكون كلا المفهومين في نظرنا متطرف جدا ، وقد نظن لوهلة اننا في الواقع ابعد ما نكون عن اي منهما ، ولكن الحقيقة وما يحدث الآن حولنا يقول لنا اشياء كثيرة ، اشياء قد لا نرغب بتصديقها ، ونفضل في عقلنا الباطن نكرانها ، لكن ذلك لا يعني ابدا عدمها وحتمية وجودها

إن ما تقذفه لنا وسائل الإعلام بشكل يومي من أخبار فظائع ضد الإنسانية ، تحرق القلوب ، وتجعل العقول في حالة ذهول لعدم قدرتها على استيعاب ما يحدث ، وتجعلنا أقرب نحو الإتجاه بشكل متسارع ، مرعب ، ومخيف الى الديستوبيا

وفي عودة إلى التاريخ وإلى بعض أحاديث رسولنا الكريم التي يصف فيها أيام آتية وأزمان تختلف عن زمنه وزمن الصحابة رضي الله عنهم ، نرى أن ما يحدث الآن هو أقرب واقع لما وصف ، ومن هذه الأحاديث ما ورد في موقع الإسلام سؤال وجواب :

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :

( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ )

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ) رواه مسلم

وعنه رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ ) رواه البخاري ومسلم

لا ابالغ اذا قلت ان هذا هو زماننا ، وهذا ما نراه بكل اسف يحدث حولنا ، ومع كل مشاعر الخوف والقلق مما سوف يأتي بعد ذلك ، لا نملك الا أن ننتظر لنرى ، ويصبح السؤال الأكثر إلحاحا هو ما فائدة الكتابة عندما يصبح حجم الألم اكبر بكثير من قدرة القلم على التعبير ، وحين تمسي أعمق وسائل التعاطف والإحساس بالآخر ومعاناته ، لا تتعدى مشاركة لصور الدمار والضحايا ، او ضغطة لايك وإعجاب ، وفي احسن حال بضع حروف مصفوفة في تعليق لا يقدم ولا يؤخر في أهوال تحدث ، ولا يسمن ولا يغني من جوع ، لجياع نائمين في العراء ضمن اقسى ظروف تتحدى الإنسانية في قلوب وعقول شعوب لم يعد لها أي قرار فيما يحدث لها او حولها

نحن العرب لم تعد قوائم الأحزان لدينا تكفي لمذبحة جديدة ، فالمذابح التي غطت حلب وأخواتها من مدن عربية أخرى تئن تحت وطأة جراحها في فلسطين واليمن وليبيا والعراق …، كانت ضربة قاضية في حلبة صراعات ونزاعات ومجازر ممتلئة حتى النخاع بالقتل والهرج ، وما عاد في هذا القلب متسع لضربات أخرى ، لكن … ، ليس لنا الا أن نبقى على قيد الأمل ما دمنا على قيد حياة …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى