خصخصة القانون

#خصخصة #القانون
يسارخصاونه

علي الوردي عالم الاجتماع العربي العراقي يقول في كتابه ” لمحات اجتماعية من تاريخ العراق ” عن ازدواجية الشخصية الفردية عند العراقي والتي تتمثل بحكم علاقة المجتمع الثورية الرافضة لحكم العهد العثماني والتي انسحبت على مجمل الحياة في العهود اللاحقة للاستقلال ، بمعنى أن المواطن العراقي بقي يعامل الحكومات القادمة نفس معاملته للعهد العثماني ،وكلام الوردي هنا بالتأكيد ينسحب على الوطن العربي وليس العراق استثناءً ، فالوطن العربي قد مرّ بفترات استعمارية حديثة متوافقة زمنياً مع ما مر به العراق وإن اختلفت أسماء المستعمرين سواء أكانوا أتراكاً أم فرنسيين أم إنجليز . الخطير في الأمر أن الحكومات التي ورثت الوطن من الاستعمار بقيت في داخلها مستعمرة للمورث وبالتالي فهي لم تختلف عنه إلا بالمسمى الوطني ، ولم تنتبه هذه الحكومات إلى خطورة هذه التبعية للمستعمر فقد بقي المواطن العربي مقاوماً لها رافضاً لوجودها ، وبقيت هي متمترسة خلف قناعها لحماية نفسها أطول فترة ممكنة ، وطبيعي أن يكون الداعم لها من أورثها هذه المهمة . الوطن العربي وبعد مرور ما يقارب مئة عام على رحيل آخر جندي مستعمر ما زال يعاني في كثير من بلدانه باستعمارية الحاكم ، وسلطته القامعة ، وهو معني بالمقاومة والرفض ، والغريب في الأمر أن رجال السلطة في الدول التي أعلنت استقلالها عن الاستعمار ما زالت تتعامل مع الدستور والقانون بإنتقائية واضحة ومكاييل مختلفة ، مؤكدة في ممارساتها أن القانون العام هو للعامة من البشر ، ويطبق عليهم دون غيرهم ، أما هم فلهم قانونهم الخاص في كل شيء وأهمها ثروات الوطن ، ومصالح الوطن ، والوظائف العليا في الوطن ، فقد خصخصوا القانون لصالحهم ، ومن غير ان يضعوا الحق في ميزان العدالة ، لأن الحق في ميزان العدالة قوة للشعوب ، والقانون في ميزان عدالتهم قوة لهم ، وسلطة على موارد الوطن والعقول ومرافق العدل والنصوص المتغيرة بأيديهم وحسب مقتضى الحال ، مبينا ان السيادة لا تكون الإ للعدالة وليست السيادة للقانون ، فالقانون هو بناء مادي لمنافع السلطة ، وانتصارها على الآخرين حسب ما يقتضيه الحال باللوائح الصادرة عنها والتعليمات التي تتجاوز الدستور ، ولا تنضبط به أوتتقيد بنصوصه ، أما العدالة فهي بناء الروح بمكونات الحق وسموها بالانتصار على النفس أولا وانتصارها للآخرين ، فرفقا بالوطن وبالعدالة من العبث وخصخصة القوانين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى