خاوية على عروشها / سهى عبد الهادي

خاوية على عروشها

كم من البيوت المفتوحة والقائمة حولنا يمكن ان يطلق عليها وصف خاوية على عروشها بالمعنى الرمزي للآية الكريمة.

الموضوع حساس والخوض فيه قد يثير حفيظة البعض لا سيما اننا ما زلنا نعيش في مجتمعات تفضل البقاء في منطقة الراحة المستقرة ولو ظاهريا والتي فيها من الوهم والخداع النفسي لأصحابها اكثر مما هو خداع للآخرين ، في محاوله للبقاء ضمن إطار وقناع مجتمعي مزيف لا يمت للواقع بصله ، والذي يترتب عليه حتما تضاؤل أي فرصه لإصلاح الوضع لما هو أفضل لينعم أصحاب هذه البيوت بنعمة السعادة والهناء والتي فتحت وقامت هذه البيوت أصلا وفي المقام الأول من أجلها.

موضوع العلاقات والمشاعر ما زال من التابوهات التي يخاف الناس من مواجهتها بصدق وشفافيه حتى مع أنفسهم حيث ما زال العرف والعاده يسيطران على مفهوم وطريقة معالجة مثل هذه الأمور والتي يدعمها أيضا قلة وعي الأشخاص بأنفسهم وبشركاء حياتهم وجهلهم بأهمية بذل جهود مدروسه للحفاظ على جودة وجماليات هذه العلاقة العظيمة لتؤتي أكلها وتحصد معها أفضل ثمارها.

مقالات ذات صلة

تبدأ حياة الشريكين في المرحلة الأولى من ارتباطهما وكما هو الحال والطبيعي لأي جديد بالإثارة والشغف لإكتشاف الآخر والرغبة بإكتساب خبرات حياتية من منظور آخر بكل ما تحمله هذه التجربة من متعة وإحساس مختلف بالحياة ومعانيها.

ثم تنطلق مرحلة ثانية في حياة الشريكين حيث تبدأ المسؤوليات بالنمو التدريجي بوجود الأبناء ومتطلباتهم المختلفة والتي تستمر لفترة لا بأس بها وتحتل معها سنوات طويله من عمر هذه العلاقة المشتركة ، عدا عن ضغوط الحياة بشكل عام والتي تأخذ حيزا لا يستهان به من فكر وراحة بال هذان الشريكان اللذان قد ينسيا نفسيهما ويهملان العمل على رعاية وتغذية هذه العلاقة المقدسة التي تربطهما بحجة إنشغالهما المستمر في غمرة حياة مليئة بالتحديات والقلق وعدم الإستقرار وعلى أمل أن يأتي يوم ليحصدا نتيجة تعبهما ، ولعل هذا الأمل وتخيل الصورة المستقبلية الجميلة هو ما يعمل على تخفيف حدة هذه الضغوط ولو إلى حين.

المرحلة الثالثة والتي تأتي بعد استقلال الابناء نسبيا وبدئهم تدريجيا بالاعتماد على أنفسهم حيث يتضاءل دور الآباء والأمهات هنا لينحصر بالإشراف غير المباشر والذي يصاحبه إسداء النصح والإرشاد اللطيف مع ترك مساحة لا بأس بها للأبناء لأخذ قراراتهم واتجاهاتهم الحياتية بقدر من الحرية الشخصية.
هذه المرحلة بالذات هي الأخطر في حياة الشريكين الأصليين فهي لا تتسم بالإثارة كالمرحلة الأولى ولا تتسم بالإنشغال كالمرحلة الثانية.
قد تتسم هذه المرحلة أحيانا بالملل والروتين غير المحبب وفي حالات استثنائيه قد تظهر أعراض عدائية واستفزاز غير مبرر بأسباب منطقية تحول تفاصيل صغيرة إلى مشاكل هي بلا شك أخذت أضعاف حجمها.

هي مرحلة إذا لم يتم الإنتباه لها وضخ الجهود الجباره والواعية لتغذيتها ورعايتها بالرحمة والعطف والحب بأجمل صوره ، كانت للأسف بداية حزينة لوجود بيوت باردة وخاوية على عروشها.

المرحلة الرابعة والتي لا يتمنى أحد أن يصل إليها آلا وهي مرحلة البيوت الخاوية وهي بالمناسبة ليست تلك البيوت القائمة على نزاعات وخلافات ما ، فهذه يكون لدى الناس بالعادة شجاعة وإصرار لمقاومتها وتغييرها.

البيوت الخاوية والتي تتسم بالهدوء ظاهريا هي بيوت قائمة على علاقات أصبحت باهتة حيث لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، هي بيوت قائمة فقط في عيون الناس ومن أجل الناس ، لا روح فيها ولا حياة ، وهي كالبركان الكامن والمهدد بالإنفجار لأتفه الأسباب.
هي بيوت ينهزم أفرادها أمام المألوف والشائع في إنتظار أن يتغير وضعها دون أي إرادة من أصحابها وفي ذلك سلبية واضحة لا تأتي الا بنتائج مدمرة على كل ما حولها.

كل المراحل السابقة هي جزء أساسي في دورة الحياة الطبيعية ولكن ما يخلق الفرق هو رغبة الأفراد في كسر تلك القوالب الجامدة وإصرارهم على خلق حياة سعيدة تملأ بيوتهم بالسكينة والرحمة والعطف والحب وتبعد عنهم شبح بيوت لا يمكن وصفها الا بأنها والعياذ بالله خاوية على عروشها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى