حكيم زمانه ..
يحكى أن حكيماً اعتزل طلابه و احتجب عن الناس ، فظن كلُّ من يعرفه أنه هاجرَ إلى بلادٍ بعيدة ، حتى أوشك ذِكرُهُ على الأفول ، و غدَتْ حِكَمُه ذكرياتٍ باهتة ، كخطوط لوحةٍ قديمة ، أنهكَتْها العوارض ، و فتَّتْ في جسدها القوارض .
رجعَ بعدَ أن طالَ به الغياب ، لم يلتفت أحدٌ إليه ، أعرضَ عنه كل من حاولَ أن يسلم عليهم ، أحسَّ في عيونِهم مرارةَ اللوم ، و وخزَ الأسف .
صاحَ بهم : تباً لكم ، أبهذا تستقبلون حكيمَكم ؟! .. ما غبت إلا لأنهلَ من الحكمةِ ما تروونَ به ظمأَ أرواحِكم .
فقال أحدُهُم : ما ظَمِئتْ أرواحُنا إلا بغيابك ، إذهب إلى مجلسك ، و انظر ماذا حلَّ من بعدِك .
فسابقَ خطواتِه إلى حيثُ كانت حكمتُهُ تفيض على قلوبِ الناس ، فوجدَ أفشلَ طلابِه قد أخذَ مكانَه ، يتحدثُ و يفيضُ على جُلَّاسِهِ بالأكاذيب .