” الفساد ولد هنا !! ”
في زمان غير بعيد …. رافقت جدي ” رحمه الله” بعد موسم الحصاد الى الصوامع قرب جامعة العلوم لبيع القمح و هذا كان شائعا في تلك الأيام …. و ركبنا ” بكب” العم أبو قاسم “رحمه الله ” و رغم ان المسافة لا تتجاوز عدة كيلومترات الا ان الرحلة استغرقت قرابة الساعة و انا مستمتع بالجلوس فوق غرفة السائق فيما كنا نسميه ” التندا “….
عندما وصلنا وجدنا جمعا غفيرا من المزارعين من كل القرى و البلدات و عرفت لحظتها أن يومنا سيكون طويلا لا محالة ….و ذهبت بين الجموع استكشف الوضع لانه كما يبدو لا مناص من الانتظار …. شاهدت أحدهم يحمل دفترا و يسجل فيه ارقاما ….عرفت انها ” الدور ” … هرولت باتجاه جدي و رفاقه و وجدت انه قد تحصل على دور بعد المئة بقليل …. و أخبرته بما رأيت …. فقام ” رحمه الله ” و تحدث مع ابو الدفتر الذي أخبره بالحرف الواحد ….” اذا بدك تروح بكير …بدك تدفي جيبة الشباب “…. انسحب جدي بهدوء و هو يهمهم …. و عدنا بدون ان ننتظر … لا بيع و لا شراء ….
كان ابا قاسم يحاول التخفيف علينا بانه يجب ان نحاول مرة اخرى بالقدوم باكرا جدا فلا نتعرض لاستغلال الموظف الجشع. فعلا كنا هناك بعد صلاة الفجر بقليل … و أخذنا دورا معقولا من ذات الموظف و لكنه كان في حدود العشرين مع انه لم يك امامنا سوى عدة سيارات… و لكننا تقبلنا الامر باستسلام و رضوخ عجيبين.
كان هناك موظف آخر يأخذ عينات عشوائية من بعض أكياس القمح لفحصها من حيث الجودة و حجم الحبة و شكلها …. كانت اداة الفحص عبارة عن ماسورة تخترق الكيس ويفرد الموظف القمح داخل وعاء و يتفحصها بعينيه … و نتيجة الفحص فورية … مقبول … مرفوض … او فحص إضافي ….
كانت نتيجتنا…” فحص إضافي ” … و تفاجئت بان موظف الفحص الاضافي هو نفسه موظف الدور…. بدأ كلامه بأن القمح فيه نسبة عالية من القش و ” السويد”….و أعاد الكرة مرة أخرى … “يا حجي تلحلح شوي”… انتفض حينها رحمه الله … ” روح نادي ابو قاسم … مالناش نصيب”
و عدنا نجرجر اذيال الخيبة … بدون ان نبيع اي شئ!!
كيف للحكومة ان تسمح لامثال هؤلاء ان يستمروا و يكبروا ؟! … نواب التنفيعات يملأون مفاصل الدولة بأقاربهم و معارفهم …. و المسؤولين يورثون المناصب لأبنائهم و أقاربهم …. و يظهر صاحب الولاية يقول : سوف نراقبهم … النائب الرياطي يسأل اكثر من مئتي سؤال … و لا يتم عرضها … و اذا تحدث اي نائب وجد عشرات النواب من المنتفعين يقفون له بالمرصاد و يمنعونه من الحديث…
و اقتبس من احمد الزعبي: ” مطول يوم القيامة”!
” دبوس على نواب المنفعة”
