نحو مجتمع قوي.. شذرات من علم الأزمات

نحو مجتمع قوي.. شذرات من علم الأزمات
اسماعيل ابو البندوره

أمام الأزمات تظهر وتتولد قوة المجتمعات ، وأثناء ذلك تطلق قدراتها وتكشف وتكتشف ذاتها الاجتماعية الكلية والجمعية وتتقدم فيها القيم والشمائل النبيلة وترتقي أناها العليا ، وتتراجع حالة الفردية والأنانية أو تتأخر لكي تشتق المجتمعات أشكال وعيها المستجدة وأدواتها في التحدي والانقلاب على أنماط الوعي الحيادي واللاأبالي والسلبي ، واجتراح طرائق المواجهة والتصدي لتجاوز الأزمات الشاخصة المنذرة بالخطر العميم ، والمهددة للوجود والمستقبل ، مثلما هو الوضع الراهن في مواجهة وباء وجائحة كورونا .
إنها لحظة جديدة ضاغطة وكارثية ومصيرية في حياة المجتمعات فإما تستكين وتقبل ما هو كائن وتشغل ذاتها ومؤسساتها بالثانوي والفردي والهامشي ، وترتكن إلى سلبية واستسلام ، وإما تستنهض كل مافي تراثاتها وثقافاتها الوطنية والقومية والدينية من عناصر إيجابية ورمزية لكي تحصن نفسها بها وتشتق منها متطلبات الصمود والاستجابة لكل متطلبات واستحقاقات المواجهة وحتى لا تدع آخرين يقومون بذلك نيابة عنها وانتظار الخلاص منهم وحسب .
في المجتمعات رمزيات ومعطيات ايجابية وممكنات مضمرة متنوعة تكشفها المحن وتولدها المجابهة ،
وبداخل المجتمعات إرادات وقدرات عادة ما تتأكد وتحضر وقت الأزمات والنوائب ، وهي لحظة تاريخية اجتماعية فارقة عندما يرتقي الوعي ويتخلق الرديف والشريك والعنصر الرئيس الذي يشارك المؤسسات في المواجهة ولا ينتظر كافة الحلول منها ، أو يلقي تبعات الأمر عليها ، لا بل يتقدم متطوعاً ومشاركاً لكي يصنع الحلول فتتضافر الأطراف كافة في سياقات ونسق واحد ويتحقق الانتصار في أي أزمة قد تواجه المجتمع وتقل الأخطار المهددة المحيطة به ..
الوعي الجديد المنتظرانبثاقه في المرحلة الراهنة يتمثل في ضرورة الإصرار الاجتماعي على استنباته وتحقيقه واستنهاضه وتجسيده وإدراجه على جدول القدرات المتاحة ، وأولى أولوياته أن يبدأ بتحقيق الانسجام والتناسق الأدائي بين الرسمي والشعبي في المواجهة والالتزام بشروطها وموجباتها واكراهاتها حتى ، وذلك لكي لا تتبعثر الجهود والطاقات أو تذهب في دروب فرعية ونحو اشكاليات زائفة وخلافية قد تنشأ أثناء المعالجة .
في مجتمعاتنا بعامة مؤسسات مجتمع مدني متعددة ( تأسست لتكون مؤشرا على حيوية المجتمع ولكي تقوم بالمحافظة على قوامه وتماسكه وتأكيد قدراته وتمثيل حقيقته في كل اللحظات ) يترتب عليها أن تتقدم برؤاها ومخططاتها في المشاركة ، وبقدر ما تكون هذه الرؤى فاعلة وجدية وملتزمة فإنها سوف تأخذ موقعها الصحيح والفاعل وسوف تكون رديفاً نوعياً لخاصية بعض مؤسساتها المهنية والاجتماعية نظرا لما يتوفر لديها من خبرات وطاقات ، ولا أحد يستطيع تحت أي ظرف ومسوغ أن يقلل من دورها أو يغمز من قناتها ويغمط هذا الدور ، بقدر وجوب إطلاق نداء متجدد يحث على المزيد من التدخل الفاعل والنوعي ، و يعبر عن رغبة اجتماعية بأن تظهر اسهاماتها على السطح بقوة وفعالية أكبر وأقدر . ويحضرني في هذا الاطار الدور الكبير الذي أذهل الجميع يوماً الذي قامت به مؤسسات المجتمع المدني اللبناني أثناء الحرب الأهلية عام 1975 عندما شاركت بفعالية في إبقاء تماسك المجتمع ودوام الحياة واستمرارية الخدمات وإعادة الأمور إلى نصابها.
إذن هي دعوة لحضور المجتمع بقدراته الكلية والنوعية ، ورفع وتيرة وعيه التشاركي والتطوعي ، والتزامه ومشاركته الفاعلة والايجابية في كل الأنشطة التي تقوم بها الدولة والجهات الرسمية للحد من أضرار الوباء والمحافظة على أرواح الناس .
نحن بلا شك نقدر .. بالالتزام وتحمل المسؤولية ، بالتطوع ، بالتبرع ، بكل أنواع المشاركة الايجابية أن نؤسس لوعي جديد ومجتمع قوي، وعلى الجميع أن يكونوا على الثغور حتى لا يؤتين من قبلهم ، وتلك من صفات وقيم العزم والثبات الكامنة والنبيلة في مجتمعنا .. وليأتي باليسر الذي يسرّ !

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى