العلاقات الأردنية – السورية تتجه نحو العودة الكاملة

سواليف
تسير العلاقات اليوم بين الأردن والنظام السوري باتجاه “العودة الكاملة”، وربما بصورة أكثر زخماً مما كانت عليه قبل الثورة السورية. وتمرّ العلاقات الأردنية مع النظام السوري بتسارع كبير، فواقع الحال يكشف أن الأردن الرسمي وجزءا من الرأي العام الأردني يسابق الزمن، ويستعجل عودة العلاقات مع النظام السوري، على الرغم من اضطرار عمّان في بداية الثورة، وتحت ضغط المجتمع الدولي وتطورات الأوضاع على الأرض السورية، لاتخاذ خطواتٍ فرضتها الظروف ضد النظام. ولكن الأمور لم تصل إلى حدّ القطيعة بين البلدين، والأردن الرسمي انتهز الفرصة لوصل ما انقطع، فالخطوات تتسارع في اتجاه عودة العلاقات وكأن شيئاً لم يكن خلال السنوات الثماني الماضية.

أكثر من ذلك، يعتبر كثر أن السلطات الأردنية، خصوصاً الأمنية منها، أدت أدواراً سياسية وأمنية، صبّت إلى حد كبير في مصلحة النظام السوري، خصوصاً بما يتعلق بالجبهة الجنوبية السورية عبر نسج علاقات وطيدة مع فصائل الجنوب السوري ومقاتليهم، بحيث يبقيهم أشبه بموظفين يتقاضون رواتبهم، من دون المشاركة في أية معارك كانت الحاجة فيه إليهم شديدة، مثلما كان عليه الحال في جبهتي داريا ودرعا والغوطتين الشرقية والغربية لدمشق مثلاً. كذلك يذكر رؤساء عدة للائتلاف الوطني السوري، كيف منعت السلطات الأردنية حصول أي تواصل واجتماعات على الأراضي الأردنية، بين الجناح السياسي للمعارضة السورية والفصائل المعارضة المسلحة. وهو ما أسهم أيضاً في إحباط ولادة معارضة حقيقية قوية وموحدة. حتى أن روسيا نفسها اعترفت مراراً في عام 2017 أن الأردن أقنع العديد من فصائل الجنوب السوري، ممن كان مسؤولوهم يقيمون في عمّان، بالمشاركة في اجتماعات أستانة. وهو المسار الذي كرّس فعلياً انتصاراً سياسياً إلى حدّ بعيد لمحور روسيا النظام على حساب ثورة الشعب السوري.

يعتبر كثر أن السلطات الأردنية أدت أدواراً سياسية وأمنية، صبّت إلى حد كبير في مصلحة النظام السوري

المتتبع للعلاقات بين الطرفين منذ بدء الثورة السورية، يجد أن الأردن اختار الحياد في مواقفه “المعلنة” إزاء ما يجري في سورية، مطالباً في كل المحافل الدولية بحلّ سياسي للقضية السورية. وكان الموقف الأردني الذي يميل إلى عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، نتاجا للموقف الدولي ضد النظام السوري في ذلك الوقت، قبل أن يميل إلى سياسة “النأي بالنفس” حيال ما يحدث في سورية. ثم بدأ الموقف الأردني بالموازنة بين الحفاظ على علاقاته الدبلوماسية مع النظام، من خلال الإبقاء على السفير بهجت سليمان في ذلك الوقت، والاعتراف بالمعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

ومع تطور الأحداث في سورية، وخصوصاً مع بداية عام 2013، بدأت الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية التنسيق مع فصائل عسكرية سورية معارضة، عبر “غرفة الموك”، وهي غرفة عمليات مخابراتية دولية مشتركة، تأسست باتفاق وتنسيق بين ما كان يُعرف باسم مجموعة “أصدقاء سورية”، واتخذت من الأردن مقراً لها.

لكن العلاقات الأردنية السورية في الفترة الماضية تماشت مع المواقف العالمية، خصوصاً في مجال تقديم الخدمات للاجئين. وسبق للعلاقات مع النظام السوري أن مرّت في حالة من السكون أحياناً والتوتر أحياناً أخرى، إلى أن قام الأردن بطرد سفير النظام السوري بهجت سليمان في مايو/أيار 2014.

وحتى في تلك اللحظة، أكدت الحكومة الأردنية، أن “قرار طرد السفير السوري من عمّان، لا يعني بأي حال قطع العلاقات مع سورية”. وبحسب وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، في ذلك الوقت محمد المومني، فإن “قرار الحكومة أمر يتعلق بشخص السفير نفسه جرّاء خروجه السافر والمتكرر على الأعراف الدبلوماسية بالإساءة للأردن والدول الشقيقة والتشكيك المرفوض والمدان بالمواقف الأردنية”. وأكد أن “السفارة السورية في عمّان ستظل مفتوحة وتعمل كالمعتاد، وأنه بإمكان دمشق تعيين سفير جديد”.

وبعد ذلك ومع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، وتغيّر الموازين العسكرية على الأرض استعجل الأردن الانفتاح نحو النظام السوري. وتمّت ترجمة ذلك في معارك درعا، عندما فضّل الأردن عودة النظام لحدوده وإنهاء وجود المعارضة. وفي ذلك الوقت أعلن الأردن وروسيا أن “القوات المسلحة الأردنية والروسية اتفقتا على تنسيق عملياتهما، بما في ذلك عمليات القوات الجوية فوق سورية، خصوصاً أن الأردن أصبح في حرب معلنة مع داعش”.

الأردن لم يأخذ أي خطوة كاملة تجاه النظام السوري

وسط هذه التقلبات الخارجية وما رافقها من تطورات على الأرض لا يمكن إغفال الجغرافيا، فالأردن مرتبط مع جارته الشمالية سورية بحدود طولها 375 كيلومتراً، مع معبرين حدوديين رئيسيين، هما الجمرك القديم بسورية، الذي يقابله معبر الرمثا من الجانب الأردني، ونصيب الذي يقابله معبر جابر. وقبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت تنشط الحركة التجارية وسفر الأفراد عبرهما، وبعد الثورة أصبح الأردن من بين الدول الأكثر استقبالاً للسوريين، بعدد بلغ 1.3 مليون شخص، نصفهم يحملون صفة لاجئ.

وكل يوم يمر يتضح حجم الرغبة في عودة العلاقات الرسمية. فعلى سبيل المثال، بدأ يوم الخميس الماضي، وفد من نقابة المحامين السوريين، زيارة للأردن تستغرق ثلاثة أيام تلبية لدعوة من نقابة المحامين الأردنيين، رداً على الزيارة التي قام بها وفد من نقابة المحامين الأردنيين لدمشق بالتزامن مع افتتاح معبر نصيب الحدودي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتوجه وفد فني من هيئة تنظيم الطيران المدني الأردنية، يوم الأربعاء الماضي، إلى العاصمة السورية دمشق، لدراسة الأمور الفنية المتعلقة بإمكانية إعادة استخدام المجال الجوي السوري من شركات الطيران الأردنية. أما يوم الثلاثاء الماضي، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، سفيان سلمان القضاة، بأنه “تقرر تعيين دبلوماسي أردني برتبة مستشار، كقائم بالأعمال بالإنابة في السفارة الأردنية في دمشق”.

في المقابل، جاءت زيارة الوفد النيابي الأردني، في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي وبموافقة ضمنية من الحكومة الأردنية، إلى سورية بعد أسابيع قليلة على لقاءات بين مسؤولين أمنيين من الأردن ونظام الأسد وفتح معبر نصيب الحدودي، الذي كان خطوة حاسمة في عودة الزخم للعلاقات الأردنية السورية، وبشكل سريع. لكن هذا التواصل لم يكن جديداً، ففي الأسبوع الأول من مارس/ آذار 2014، زار وفدٌ أردني يضم كُتّاباً ومثقفين ومحامين وعسكريين متقاعدين، العاصمة السورية والتقوا رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن حينها اعتبر رئيس رابطة الكتاب الأردنيين في ذلك الوقت موفق محادين، أن “الزيارة تحمل صفة الشخصية”، وأن “الوفد الأردني لا يمثل توجه الهيئة العامة (للرابطة)”. كما أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2016، زار نقيب المحامين الأردنيين السابق سمير خرفان برفقة حقوقيين أردنيين، نظام الأسد، في دمشق، على هامش اجتماعٍ لـ”اتحاد المحامين العرب”.

81% من الأردنيين عبّروا في آخر استطلاع للرأي، عن تأييدهم لإعادة فتح السفارة الأردنية في سورية

بدوره رأى الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “هناك ثلاثة مؤثرات على العلاقة الأردنية السورية منذ بدء الثورة حتى الآن، وهي الموقف الدولي، والموقف الإقليمي والواقع على الأرض السورية، لكن العامل الحاسم كان تراجع الدول الغربية عن موقفها من النظام السوري في الفترة الأخيرة، في ظل تخوّفها من تكرار التجربة الليبية، فعادت إلى معادلتها التي حكمت علاقتها مع الدول العربية في الـ50 عاماً الماضية: الاستقرار، لا الديمقراطية”.

وحول العلاقات الأردنية مع النظام السوري، أوضح أن “الأزمة السورية مرت بمرحلتين، الأولى هي مرحلة الانطلاقة منذ عام 2011 حتى عام 2015، والمرحلة الثانية منذ عام 2015 حتى اليوم”، مضيفاً أنه “بالنسبة للموقف الأردني فقد تأثر بمتغيرات عدة، شكّلت الموقف الأردني تجاه النظام السوري، ومنها موقف الدول الكبرى، التي وقفت في بداية الأزمة السورية مؤيدة بقوة لمطالب الشعب السوري والثورة السورية، وداعمة للشعب السوري في طريقه للتحوّل الديمقراطي والحرية. وكان الموقف يشمل الولايات المتحدة بالدرجة الأولى والدول الأوروبية بدرجة أقلّ، على الرغم من أنهم شكّلوا مجموعة أصدقاء سورية، كمؤشر لدعم مطالب الشعب السوري في التحول الديمقراطي، ثم تبعه موقف إقليمي عربي”. وأشار إلى أن “الدول العربية اتخذت مواقف متسارعة مؤيدة ومواكبة لمطالب الشعب السوري، وتم فصل سورية التي يمثلها النظام السوري من الجامعة العربية”.

وأوضح أنه “في ذلك الوقت كانت هناك رياح ثورة عاتية في أغلب محافظات سورية، فرضت نفسها على الدول الكبرى ولم تستطع دول الإقليم قول (لا) للشعب السوري، ومنها الدول العربية وتركيا، مع معارضة إيران وحزب الله”.

وتابع شنيكات: “في ذات الوقت كان الوضع الداخلي في سورية يشي بأن الأمور خرجت عن السيطرة، والأفضل التعامل مع الوضع الراهن. وعلى الرغم من تقهقر النظام السوري، إلا أن الأردن لم يأخذ أي خطوة كاملة تجاه النظام السوري، فاحتفظ بالسفارة السورية في عمان، وأبقى على التمثيل الدبلوماسي الأردني في دمشق”.

ونوّه إلى أنه “في نهاية عام 2014 ومطلع عام 2015، تغيّر الوضع والمواقف الدولية تجاه ما يحدث في سورية، ودخلت روسيا كقوة لحماية وإنقاذ النظام السوري، مما أوجد موقفا أردنيا جديدا، ولم تعد الولايات المتحدة مهتمة كثيرا بتغيير النظام السوري، خصوصاً مع بدء بروز تهديد تنظيم داعش عام 2014، الذي ساهم في تغيّر الموقف الأردني، وشكّل أولوية أردنية. وعليه أصبح الأردن في حرب مفتوحة مع داعش، بعد استهداف التنظيم للبلاد، ومن ثم لحق الموقف الأوروبي بالموقف الأميركي ودعم فكرة استقرار سورية وليس تغيير النظام”.

منذ اليوم الأول للأزمة السورية رفض الأردن المشاركة العسكرية في أي جهود داخل الأراضي السورية

ولفت إلى أن “الموقف الدولي، تحديداً الولايات المتحدة وروسيا، مال بقوة لمحاربة داعش. ولم يستهدف الجيش الأميركي قوات النظام السوري، في تغيير للأولويات الأميركية، من مواجهة النظام السوري اللفظية، إلى مواجهة حربية مع داعش”. ولفت إلى أن “الأحداث التي وقعت في العراق واستيلاء داعش على نفط العراق وسورية، شكّل قوة مفاجئة تهدد مصالح الدول الكبرى، فقررت إعادة النظر تجاه المواقف في سورية”.
وأضاف أن “الوضع العربي خلال مراحل الثورة السورية، أدى دوراً هاماً في تغير السياسات والعلاقات مع سورية، خصوصاً بعد الانقلاب على محمد مرسي في مصر. وبذلك فقد الربيع العربي قوة دفع كبيرة، فيما اتجهت ليبيا واليمن إلى الفوضى، والعراق غارق في حالة عدم يقين حتى الآن”.

ورأى أن “التدخل الروسي لصالح النظام السوري، ساهم بفرض سيطرة الأخير على الكثير من المناطق والبلدات السورية، وبدا أن الأمر استقر لصالح النظام السوري، إضافة إلى مجيء إدارة ترامب والتي بدت أكثر تقبلاً لوجود نظام الأسد من محاربته”.

ولفت إلى أن “هذه المواقف والظروف أسست للموقف الأردني، فالأردن تحديداً، يعتبر أنه تحمّل بالدرجة الأولى أعباء ما حدث بسورية عبر تدفق اللاجئين، ومن هنا رأى الأردن أن الأزمة بدت طويلة وبلا أمد للحل، وبدأ يستشعر المخاطر، خصوصاً لناحية أن المجتمع الدولي لم يقدّم فعلياً الدعم الكافي لدولة زاد عدد سكانها 10 في المائة خلال فترة وجيزة بسبب اللجوء”. ونوّه شنيكات إلى أن “الأردن أراد التعامل بشكل واقعي مع الأزمة، فارتبط موقفه بالتغيرات في الداخل السوري، ومواقف الدول الإقليمية وموقف القوى العالمية”، لافتاً إلى أن “أغلب الدول العربية وحتى الغربية، أصبحت تتعامل مع النظام السوري كواقع، على الرغم من أن الوضع في سورية لم يستقر تماماً، ففي أي لحظة قد تقع وتحدث متغيرات. ومن هنا يتعامل الأردن مع الدولة السورية بغض النظر عن الأحداث والتغيرات في داخلها”.

من جهته، رأى الصحافي زياد الرباعي لـ”العربي الجديد” أن “تسارع وتيرة عودة العلاقات والتعاون بين الأردن وسورية، كان نتيجة عودة الهدوء النسبي إلى سورية، وفتح المعبر”، مشيراً إلى أن “81 في المائة من الأردنيين عبّروا في آخر استطلاع للرأي، عن تأييدهم لإعادة فتح السفارة الأردنية في سورية، وتعيين سفير سوري في الأردن”.

الأردن ينتظر تحسناً اقتصادياً ملموساً، بعد عودة العلاقات مع سورية والعراق

وأضاف أنه “منذ اليوم الأول للأزمة السورية رفض الأردن المشاركة العسكرية في أي جهود داخل الأراضي السورية، ومنع دخول مسلّحين معارضين إلى الأراضي السورية، وكان دائماً مع الحلّ السلمي للأزمة، حتى أنه كان أقرب للنظام السوري منه للمعارضة”.

وقال إن “الأردن ينتظر تحسناً اقتصادياً ملموساً، بعد عودة العلاقات مع سورية والعراق”، مشيراً إلى أن “العامل الاقتصادي هو الحاسم في عودة العلاقات، والأردن كان ينتظر نتائج الأزمة السورية من أجل عودة العلاقات”. وأوضح أن “حقوق الإنسان تؤدي دوراً هامشياً في مثل هذه القضايا ولا تحتل أولوية، فالدول تتطلع بالدرجة الأولي لمصالحها الاقتصادية”.

بدوره شدّد المحلل الأردني أنيس الخصاونة لـ”العربي الجديد” على أنه “لست مع الهرولة السريعة إلى النظام السوري، والتسرع في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، لكن للأردن أعذاراً للبحث عن مصالحه الاقتصادية واتخاذ المواقف السياسية التي تحفظ أمنه، وتساعده في تجاوز أزمته الاقتصادية”.

ورأى أن “الأردن قدّم موقفاً مسانداً للشعب السوري، خصوصاً في قضية اللاجئين، لكن الأردن بإمكاناته المحدودة، تأثّر اقتصادياً، ووقف وحيداً في مواجهة أزماته، بعد أن تخلّت الدول العربية عن موقفها المناهض للنظام السوري، وحتى أن بعض الدول الغربية، أصبحت تتقبّل فكرة وجود الأسد واستمراره على رأس النظام السوري”. وقال إن “التسارع في العلاقات الأردنية السورية، يأتي في ظل تسابق عربي إلى عودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وتراجع في الموقف الدولي، تحديداً الدول الكبرى التي أعلنت قبولها ببقاء الأسد ونظامه على رأس السلطة في سورية”، منوهاً إلى أن “الانسحاب الأميركي من سورية، أدى دوراً هامشياً في التأثير على تطور العلاقات بين الأردن وسورية”.
العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى