فهد جرادات شاهدا على مرحلة البناء والأستقرار للدولة الأردنية

سواليف

لا يعتبر كتاب ” رجال في ذاكرة الأردن ” مجرد سرد لسيرة ذاتية لقادة وسياسيين وعسكرين ، إنما يتناول مرحلة مهمة من التاريخ الاردن ودور اللواء فهد جرادات في التحولات السياسية بتاريخ الاردن، وبالذات في فترات شهدت تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية ، أنعكست على مسيرة الوطن وتطوره في مختلف المجالات ،أسهم فيها مجموعة من الرجال الأوفياء الذين تفانوا في خدمة بلدهم وبناء أسس الدولة الحديثة شهد لها العالم أجمع .
يظهر خلال هذه الفترة أحد رجالات الاردن الذي يتحدث عنه الكتاب المرحوم معالي اللواء الركن فـهـد مـحـمـد مـوسى جـرادات (1930-2015)، أحد رموز تلك المرحلة، الذي مارس دورا وطنيا تمثل في التضحية وتقديم الغالي والنفيس فداء الوطن.
يؤثق الكتاب الذي صدر حديثا لمؤلفه أحمد الحوراني ، مسيرة مهمة في بناء الدولة والدفاع عن الوطن في فلسطين وفرض الاستقرار والامن للدولة الاردنية لحمايتها من التدخلات الخارجية،وخاصة عندما اُعلنت حالة الطوارئ وتحرك الجيش الأردني بناءً على تعليمات الملك الراحل الحسين بن طلال ومستشاريه العسكريين في احداث 1970، في اطار عملية أمنية نفذها الجيش الأردني تحت القيادة السياسية للشهيد وصفي التل وضباط الجيش وعلى رأسهم المشير حابس المجالي، للدفاع عن الحق والأرض والوطن، مع الحفاظ على المواطن وأمنه وروحه وممتلكاته من أجل طمأنينة الأطفال وسلامتهم، وتأمين لقمة العيش التي يحتاج لها كل إنسان من أجل كرامة الجندي وصون شرفه ودستور بلده ونظامه وقانونه.
كان المرحوم اللواء جرادات شاهدا على المرحلة يوم تشكلت حكومة عسكرية مؤقتة،في تلك الفترة برئاسة الزعيم محمد داوود، وضمت أحد عشر وزيراً جميعهم من المؤَّسسة العسكرية، ، وفور تشكيلها تم إعلان الأحكام العرفية في البلاد ، وتمكنت من إعادة الأمور إلى ما ينبغي ان تكون عليه ووضعها في نصابها الصحيح، وحفظ الأمن وإعادة النظام وفرض سلطة الدولة وبنفس الوقت صون المقاومة وحمايتها من المخطط المعادي لها وتحقيق التعاون الايجابي الفعال معها.
كانت الحكومة العسكرية من اقصر الحكومات الاردنية عمراً، اذ لم تستمر سوى ثمانية أيام فقط ، حين أعلن رئيسها استقالته من القاهرة ، إلا أن المرحوم فهد جرادات كان على قدر الإحساس بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في ذلك الظرف الحرج من تاريخ المملكة، وبذلك شهد الكثيرون من معارفه بقوة شخصيته وثبات مواقفه، التي لم تتزحزح .
يذكر الكثيرون ممن عاصروه، لا سيما خلال توليه حقيبة وزارة المالية، رفضه التوقيع على قرارات كانت مثار جدل و نقاش، حيث أعلن خلالها عن موقفه بشجاعة في وقت التزم به بعضهم الصمت، ورفض أن يوقع على قرارات بذات اليد التي صفقت لإخراج رجل أجنبي على مدار أربعة عشر عاما، وصمم بشجاعة على عدم توقيع اي قرار يخالف مبادئه، التي ظل وفياً لها، صامداً في وجه المغريات، وحين سقطت أقنعة كثيرة، اختبأت خلفها مصالح أشخاص، باعت ضمائرها، ولم تثبت ولم تصمد أيام الشدائد والمحن، فمنهم من فر هارباً، ومنهم من ضعف أمام العطايا.
لكن المرحوم فهد جرادات،وبحسب ما جاء في الكتاب بقي مع البقية الباقية من الذين حملوا كفنهم على أكتافهم، وحموا الوطن بقلوبهم، ولم يتاجروا به في مرحلة مفصلية تعرض فيها لهزة قوية، فوقف ثابتاً بهمة قيادته وعزيمة رجاله الأوفياء.
شغل المرحوم جرادات قيادة الجيش الشعبي، الذي تأسس بعد فترة السبعينيات من القرن الماضي ،وعُيّن قائداً له برتبة زعيم، وكان الجيش ضرورياً لتدريب أبناء الوطن على القتال للقيام بدورهم الوطني، وحماية وطنهم من أية مخاطر قد تواجههم في المستقبل لا قدّر الله، كما كان الجيش الشعبي رديفاً على أهبة الاستعداد لمساعدة القوات المسلحة بتشكيل كتائب جديدة من المواطنين الذين يحملون أسلحة خفيفة، للدفاع عن أنفسهم في القرى الحدودية، بحيث يتحملون المسؤولية في الدفاع عن الوطن واستقلاله، وتحصين مدنه وقراه، وحماية خطوط القوات المسلحة والقيام بأعمال الدفاع المدني، وتأمين حراسة المرافق العامة، والتصدي لمقاومة إشاعات العدو.
كان جرادات يتمتع بمنظومة واسعة من العلاقات الاجتماعية، وعلاقات الصداقة مع مختلف فعاليات المجتمع، وكبار رجالات الدولة من مدنيين وعسكريين، وكان يتحلى به من خصال حميدة وسجايا طيبة جعلته قريباً من الجميع على اختلاف المشارب والألوان والمذاهب ، ولنظرته البعيدة عن مصالحه الخاصة.
وحمل اللواء جرادات الرقم العسكري ( 562) في القوات المسلحة الأردنية، الذي خدم فيها عقدين ونصفٍ من الزمن، تقلد العديد من المواقع والمناصب القيادية، ومن بينها أنه كان قائداً للجيش الشعبي، ومديراً للعمليات الحربية، ومديراً للتعبئة العامة، ومدير مرتب وسكرتير عسكري، وعضو عسكري باللجنة الدائمة في جامعة الدول العربية 1962-1963، وملحق عسكري في إيران.
ويوثق الكتاب ايضا فترة تاريخية كان أبطالها رجال شرفاء دافعوا عن تراب الوطن، فلم يأل جهداً اللواء جرادات في الدفاع عن المعاني والقيم التي حملها ودافع عن المقدسات، وفي مقدمتها أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى ، حيث كان سقوط فلسطين بأيدي الصهاينة الغاصبين في العام 1948، سببا في تأجج مشاعره كباقي الشباب العرب لنجدة ثرى الأقصى المبارك وفلسطين الطهور، وقرارقدومه من لبنان حيث كان يدرس هناك ليلتحق بالجيش العربي.
انتقل اللواء جرادات الى رحمة الله تعالى في التاسع عشر من أيار من العام ألفين وخمسة عشر ، بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل وحب الوطن عبر مسيرة طويلة في مختلف المحافل سواء العسكرية أو الدبلوماسية والمدنية، وتم مواراة جثمانه الطاهر الثرى في مسقط رأسه في بلدة بشرى، في جنازة عسكرية مهيبة، تليق بزعيم كبير نظير خدماته الجليلة التي قدمها في خدمة وطنه وأمته، ودع فيه الوطن أحد رجالات الوطن، و رد الجميل لمن لم يبخل يوماً على وطنه بروحه، ورهن حياته فداء له ، بحمله على عربة مدفع، ونكست الأسلحة وأطلقت أفواهها النيران كآخر تحية للقائد وعزف لحن الرجوع الأخير قبل ان يوضع تحت التراب الذي سيغطي هامته التي لم تركع إلا لله،وبقيت شامخة بشعار الجيش العربي الذي يعتليها، ليترك الشعار لمن بعده من زملائه العسكريين، ليستبدله بتراب الوطن الذي عاش ومات وهو عشقه الوحيد .

من الكتاب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى