جريس سماوي : لَكَمْ أوجعني رحيلُكَ

جريس سماوي : لَكَمْ أوجعني رحيلُكَ

أ. د. خليل الرفوع

هو الموتُ يعتامُ الكرام َ ، وينتقي فضة أقمارها.
والدهر غولٌ ليس بمعتب من يجزع
ويكأَنّ المنايا لا تطيشُ سهامُها.
لم يتمهل الموت كيما نودعك في هذا الهواء الخبيث، وهذا السموم الحميم.
كم كنتَ عاشقا للحياة وكأنك على كفّيها نورس يفتش عن هدوء الموج و صفرة الشمس والليل وما وسَق.
أيها الصديقُ الذي ما انثنى إلا كرامةً
وما تكلم إلا محبة كبحيرى في صومعته .
كأن في العذوبة شيئا من رضاب صوتك.
أيها النبيل الذي انسكب على لسانه سخاءُ الكلام وجرسُ الحرف وقوافي الشعر.
كم كنت فينا سراجا يضيء غرفات الوطن صدقا وإيثارا ونبلا وصدحا.
إنه الوطن الذي رعاك وآلفك فأسندت إليه ظهرك فكان حارسك وسندك.
رحلتَ وفي عينيك بهاء الأردن وكأنكما غيم وقمر محمولين على خيطٍ أبيضَ يصب ضياءه في منارة راهب متبتل بسط ليله للصلاة وصمته للسبح الطويل.
أيهاذا الغائب في عيون هذا البلد الأمين وقرامي زيتونه منذ عهد روما وسنين الفتح، طبت تينا وزيتا وحدائقَ غُلْبًا
فهأنت ذا تسري في الفجاج والجذوع ماءً غدقا غللا، تَقَطَّع في أصول الدوالي وسياج الياسمين.
وهأنت ذا تودع سجادة الصمت وصخرة الوطن لتدخل في قبة السماء  تحملك أجنحة الخافيات الخبيئات مستترا بقبس الرهبنة وجمر الروح مستوحدا في الخفاء والبهاء.
أيها الشرقي الذي أضاء روما بنور الأريسيين، وقد طرزتْ ثوبكَ مريمُ العذراء بنداء زكريا وبشارة يحيى ونبوة محمد عليهم السلام،؛ فاقتفيت أثرك ميمنةً تمضي إلى غايتك وما فُهْتَ بعدُ بآية.
إنا يا صديقي أتمتم بالدعاء خفيا
وكان ربي بي حَفِيًّا
أن يغسلك بالرضا والمغفرة
فلقد كنت مرجوًّا في الصداقة والوفاء
وكم بثثتَ وجدَك على وتر النجوى ولحن اللقاء .
أ. د. خليل الرفوع
أستاذ الأدب العربي بجامعة مؤتة

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى