زواج القاصرات.. الجهل المعلوم والمتجاهل

زواج القاصرات; الجهل المعلوم والمتجاهل
تغريد الفتياني

في تلك الليلة وکأنها كانت مثل نظيراتها ،و ضعت رأسي على وسادتي وبدأت الكلمات واللحظات التي اقضت في ذلك اليوم الدراسي تجول في خاطري ومخيلتي كالمعتاد، و تتصارع فيما بينها کي تكون إحداهن هي الأولى في رسم براءة تلك البسمة ،ثم ينتقل تفكيري من حدث إلى أٓخر وصولا بما سوف افعله في يوم الأحد القادم; من صعوبة الاستيقاظ باكرا في صباحات الشتاء البارد ،والهم الذي يضيق به صدري من عدم قدرتي على حل واجب الرياضيات المشٶوم بالنسبة لي، انتهاء بأحلام الطفولة التي ستنضج عند بلوغي مشارف العشرين, أربع ساعات فقط تدين بها حياتي بالتغير من الضحك والمرح و اللامبالاة الى القلق ،والهم،والحزن والخوف على تلك الأحلام من الاندثار من علی جدران الذاكرة ،فيقول لي ابي :هناك شخص ينوي التقدم لخطبتك ،بلا أدنی مقدمات لتمهد لهذا الأمر ودون حتی التلميح أو الإيحاء بحماسةٍ واندفاعٍ منقطعي النظير !.
وقفت مشدوهةً هل لحياتي أن تنته بکل هذه البساطة المباشرة بارتباطي بشخصٍ لا أرغب به وربما لم أفکر به يوما ما ,وأنا التي تخليت عن كل ما أحب من صديقاتٍ ،ومقاعد دراسية،ومدرسات وحقيبتي المدرسية التي لا تحمل كتبا فقط بل احلاما وفواصل اصبحت موجودةً في الذاكرة!.
هاذا ما ورد على لسان إحدی القاصرات اللواتي أجبرت على الزواج في سن الخامسة عشر.
مع كل ما يشهده عالمنا اليوم من انفتاح وانفجارٍ معلوماتيٍ مهول ، وتقدم علمي وثقافي وفكري ونهضةٍ بادٸة ،و التغير في نمط الحياة والعادات والتقاليد ،إلا انه مازال يوجد حتى يومنا هذا العديد من الأفكار والمبادئ التي لم تتغير بعد ,ومن هذه التقاليد الخاطٸة والأعراف التي عفی عليها الزمن هي زواج القاصرات،فيظن البعض ان بزواج القاصرات بناءُُ للمجتمع ويخفی عليه انه هو هدم للفرد ،وللأسرة وللمجتمع،فالعديد من الفتيات يجبرن على الزواج في سن مبكرة,بينما القليل القليل ممن يقدمون على هذه الخطوة بإرادتهن بناءً علی جهل فكري لديهن.
فوفق ما ورد عن إحدی القاصرات التي اقدمت على الزواج بإرادتها في سن السادسة عشر والحديث علی لسانها إذ تقول : “نعم ،انا اقدمت على الزواج بإرادتي ولم يجبرني أحد من أفراد عائلتي على هذه الخطوة ،ولكن كنت مجبرةً على ذلك من غير أن ادرك ذلك، فحرماني من الذهاب إلى المدرسة ،أو البحث عن اي عمل، وجلوسي حبيسة المنزل والتوجيه الخفي من أمي في بعض التلميحات في القول والترويض الفکري أن البديل الوحيد والطبيعي عن التعلم هو الزواج ،فأصبحت عشوائية ومضطربة وفي حالة من اللاوعي اصبح الزواج حلم يطاردني و أسعى لتحقيقه ،و انتهى حلم اليقظة بطلاقي بعد ستة أشهرٍ من الزواج”.
وفي قول أخر أيضاً لفتاةٍ أجبرت على الزواج، بأن أبيها وإخوتها هم من أجبروها على الزواج بسبب الخوف على سمعة العائلة ،واليقين بأن الفتاة مهما كانت محتشمة و ذات خلق وأدبٍٍ رفيعين إلا انها لا بد أنها لن تصن هذه المناقب ،فلا يترکون أي فرصة للفتاة, فبمجرد بلوغها سن الرابعة عشر يجبرونها على الزواج بحجة الستر والعفاف وخشية العار ،و كأن الفتاة اذا لم تتزوج وبقيت في كنف ابيها واخوتها بانها لن تحصل علی هذه الميزات التي أکل عليها الدهر وشرب .زعما منهم بأن الستر والصون والعفاف بالزواج لا بغيره .
إن زواج القاصرات لايقتصر على هذه الأسباب فقط; بل بحجة الخوف من العنوسة ،والفقر،والعادات والتقاليد والقوانين التي تسمح بزواج الفتيات دون سن الثامنة عشر،وبسبب النزاعات الأسرية مرورا بالمجتمع وحتی الحروب والفوضى وعدم الاستقرار بالذات في محيطنا العربي أتحدث.
ولكن هل يمكن لهذه التجربة ان تنجح ؟.
الكثير من هذه التجارب لا يحالفها الحظ بالنجاح إذ تنته بالتفكك الاسري ،والجهل الفكري والأكاديمي والاضطرابات النفسية للأم القاصر والأطفال ،وعدم قدرة الأم على إنشاء جيلٍ صالح و واعٍ مثقف ،وتنتهي بالانفصال المفضي للطلاق والمشاكل الاجتماعية وبخاصة إذا كان هذا الزواج يرتبط بالأقارب خصوصاً .
يقول أحد أخصاٸيي التحليل النفسي وعلماء الاجتماع أن استمرار هذه التجربة لايعني نجاحها بالتأکيد ،فهي تستمر مقابل ان تتخلى الفتاة القاصر عن تعليمها ،وطفولتها ،ومبادئها وكرامتها في بعض الاحيان ويوقع عليها مسؤليات كبيرة ،وهي لا تعرف عن الحقوق والواجبات الاسرية التي يجب عليها القيام بها ،فيبقى زواج القاصرات من الجهل المعلوم والمتجاهل.
ويبقى السؤال متى سوف تتغير محركاتنا الفكرية تدور باتجاه وحول زواج القاصرات ومتی سيتم خروج هذه المحرکات الفکرية من دائرة واسعة المنطلقات في بعض الأمور الاجتماعية ،فقد أصبحنا نتخلى عن بعضها ببطئ وبحالة من اللاوعي ،إلا ان ادمغة البعض لا تزال مصرة على التمسك بعادة زواج القاصرات التي تكون نتائجها امام الأعين على الصعيد الشخصي والاجتماعي بل والعقاٸدي ،ووجود دراسات وإحصائيات تدل على أن زواج القاصرات ما هو إلا جريمة بحق الفتاة،فالبعض متمسك بهذا مع وجود ما يدل على هذه الجريمة التي لا تغتفر وعلی جميع صعد القيم والعقاٸد والاستقرار المجتمعي!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى