تحت الضوء

تحت الضوء
د. هاشم غرايبه

وأخيرا انتهت الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وتنفس العالم الصعداء، ليس احتفاء بخروج “ترامب”، فلا أحد ينتظر من “بايدن” نهجاً أفضل.
على الصعيد العالمي لم يكن “ترامب” يتمتع بالإحترام لشدة حماقته، لكن ذلك لم يكن استثناء، فأغلب الرؤساء الأمريكان لا يمتلكون حظا كافيا من الذكاء، فقد كان “بوش” يتمتع برصيد عالٍ من الغباء، كاف لأن يوقعه في مطبات مضحكة تثير التندر، وربما كان ذلك يعتبر ميزة إيجابية له داخليا، فالرئيس المحبوب شعبيا هو المسلي والذي يشيع جوا من الطرافة والفكاهة، وحتى لوكان ذلك على حساب السخرية من وقوعه في مآزق، حيث أنه إذا أراد شخص مدح الرئيس، فهو لايثني على وطنيته أو قيادته الملهمة مثلا، بل يصفه بأنه (funny).
فعليا فالعالم لا ينتظر مفاجآت لدى تغير الرئاسة في أمريكا، وليس بيد الرئيس الكثير فهو لا يملك تغييرا للسياسات العامة التي تضعها القوة الإحتكارية الخفية التي تصنع الرؤساء، فكل القرارات الهامة تتخذها هيئات مستقرة لا تتغير بتغير الرؤساء، لذلك تخلو وسائل الإعلام من أية تحليلات جادة تستقرئ تغيرات ذات قيمة، أو تغييرات دراماتيكية في العالم تحت رئاسة “بايدن”.
عربيا وعلى الصعيد الشعبي، ساد جو من الفرح، فقد طغى على أمريكا خلال فترة “ترامب” جو من العداء لمشاعر العرب والمسلمين وللفلسطينيين تحديدا، أما على صعيد الأنظمة فجميعها لا تظهر مشاعرها، فشعارها (من يتزوج أمي فهو عمي)، فالولاء والإرتماء هو ثابتها تجاه أية إدارة أمريكية، وجميعها ظلت متحفظة لا تظهر تأييدا لهذا أو ذاك، فيما عدا دول التحالف الرباعي، التي تعلقت بأمل بقاء “ترامب”، فهي ستحصد الخيبة إن ذهب، لأنها دفعت الجزية مقدما له، ومجيء شخص جديد يعني ذهاب ما دفعوه بلا طائل، وبالتالي تستحق عليها جزية جديدة، كما أن عشرات المليارات التي دفعت ابتزازا للسكوت على جريمة الخاشقجي، على الأغلب ستضيع أيضا، فلا وصولات قبض تثبتها، وعلى الأغلب ستتم عملية ابتزاز جديدة.
الطريف أن الحزبين الرئيسين اللذين يتداولان السلطة في أمريكا: الديموقراطيين والجمهوريين، لا تتناقض برامجهم الإنتخابية إلا في الجزئيات، فهما فعليا وجهان لعملة واحدة، ويعود ذلك إلى أنهما امتداد تاريخي لولايات الشمال التي يسودها احتكاريو الصناعة، وولايات الجنوب التي يسودها الإقطاعيون الزراعيون، ولما قامت الحرب الأهلية بين هاتين المجموعتين كانت بشكل رئيس حول تحرير العبيد، وبسبب ما سيشكله ذلك للإقطاعيين الزراعيين من نقص في الأرباح.
لذلك جاء قانون الإنتخاب عجيبا فريدا من نوعه، والطريف أنه مزدوج: هنالك انتخابات شعبية تقتصر على انتخابات كل ولاية لممثليها، لكن من يرشح هؤلاء هم الحزب (القوة الرأسمالية)، أي أن من يختار المتنافسين هو الحزب، والشعب له أن يتخير بين هؤلاء وليس من خارجهم.
أما من ينتخب الرئيس فعليا ويحدده فليست الإنتخابات الشعبية، بل ما يسمى المجمع الإنتخابي (Electoral College) الذي يتكون من 538 مندوباً. وهذا العدد يوازي عدد أعضاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، علاوة على ثلاثة أعضاء من مقاطعة كولومبيا التي يوجد بها العاصمة واشنطن لأنها لا تملك أى تمثيل انتخابي فى الكونجرس، حيث يكون لكل ولاية أمريكية داخل هذا المجمع الانتخابي عدد معين من الأصوات بحسب عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونجرس.
لذلك فأحد المهازل (الديمقراطية) أن كل هذا الجهد والكلفة في انتخابات الرئاسة، لا قيمة لها، وليست هي التي تحدد من هو الرئيس، فما يحدده هو الحصول على 270 من أصوات المجمع، وقد حدث ذلك فعليا في انتخابات عام 2016 عندما فازت “كلينتون” في الإنتخابات بعدد أكبر من أصوات “ترامب”، لكنها خسرت لأنها لم تجمع ال (270) صوتا من أصوات الكبار (المجمع).
ليست هذه هي المهزلة الوحيدة في (اللعبة الديمقرطية)، فاختيار المرشح للرئاسة ونائبه يتم داخل كل حزب، وبالتنافس الداخلي، لكنه فعليا لايتم بناء الكفاءة أو الشعبية، بل على من هو الأكثر قدرة على جمع تبرعات من ممولين، وبمعنى تطبيقي من هو الذي يراهن عليه كبار الرأسماليين، وذلك يعني حتما من الذي يحقق مصالحهم أكثر.
خداع الرأسمالية القول أن الإزدهار الرأسمالي يحقق الرخاء للجميع، لكن الحقيقة أن ذلك لا يعم، لأنه يوزع الرخاء بنسبة رأس المال، فلا يحقق إلا تعاظم الثروات الفردية ، إذ يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، فيعظم الفوارق الإجتماعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى