التهمة “سائق شاحنة”..

مقال الثلاثاء 19-5-2020
التهمة “سائق شاحنة”..
آباؤنا الطيبون ،المسافرون العائدون ، نوارس الإسفلت ، أصدقاء الطرق الموحشة ، الذين ينامون في “أوضة الشاحنة” وقت البرد الشديد، وفي فيء الهيكل الطويل وقت الصيف القائظ..ينحتون بكدّهم وسفرهم ومخاطرتهم رغيف خبزهم..لا يمدّون أيدهم الى أحد ولا يقبلون أن يكونوا عالة على أحد..يتحمّلون تفاوت الأنظار إليهم ويسعون في عيشهم الحلال دون أن يلتفتوا إلى أحد..
آباؤنا الطيبون ،قبل الحدود ينظرون الى “صافي النقلة” ربحت أم “راس براس”، ومهما كانت النتيجة يحضرون الهدايا إلى أولادهم ،فهدايا الأولاد عند القلوب الطيبة لا تخضع للربح والخسارة..
***
نحن أبناء “سوّاقين” أيضاَ،ولا نقبل ما يحدث لهؤلاء البسطاء الطيبين..من طبقية نتنة ،وتعامل مهين ، وتمييز واضح من الحكومة ، ظروف حجر غير إنسانية ، إهمال متعمّد ،مكاره صحية داخل مرافق مهجورة ، كل ذلك في اسكانات الأزرق والتهمة أنت “سائق شاحنة”..الشاحنة التي لولاها ما وصل النفط الى خزانات المصفاة ، الشاحنة التي لولاها ما وصل الطحين الى المخابز،ولا الكرز الأخضر الى بيت الوزير..هؤلاء هم شريان البلد الحقيقي والجالسون على مكاتبهم هم التفاصيل … ما يجري لهذا الشريان يخالف كل المعايير الإنسانية…
بالأمس يصرّح وزير الصحّة تصريحاً غريباً لا يخلو من الفوقية ، و لا أقبله من وزير يرتبط مسمّاه الوظيفي بالصحة عندما قال ..”نضطر لحجر أكثر من سائق في غرفة واحدة بسبب الإمكانيات ،وأن يصابوا جميعهم أفضل من أن ينقل أحدهم العدوى لمدينة كاملة”…يعني صحّة سائق الشاحنة أرخص بكثير من صحّة سكّان المدينة لفاضلة ، ولنضحّي بهم جميعاً، ولنعرّض حياتهم للخطر فهم مجرّد سائقي شاحنات..معيب أن يخرج الكلام من وزير من المفترض أن صحّة الإنسان هي أولويته ورسالته..هؤلاء مواطنون أردنيون مثلك، لهم كرامة انسانية مثلك،ويخافون على أعمارهم مثلك، لكنّهم لا يجلسون في المكاتب ولا يستسقون المديح،وإنما يلتهمون المسافات ،ويخيطون الطرفات ليلبسوا ثوب الرضا والستيرة فقط..

أباؤنا الطيبون..سلام على ملح عرقكم أينما كنتم..

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى