تغيير النمط التفكيري

بسم الله الرحمن الرحيم
تغيير النمط التفكيري
ضيف الله قبيلات

على مر العصور يحدث أن يغفل الإنسان أو يراد له أن يغفل عن استعمال عقله الذي ميزه الله تعالى به عن سائر مخلوقاته ، إذ يفرض عليه أو يترك هو لغيره أن يفكّر عنه ويمضي هو ليعيش كالبهائم .. كما قال المتنبي :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ

هذه الجريمة دائماً ترتكبها الأنظمة الإستبدادية بحق شعوبها حتى تصبح مع الأيام كابوساً .. يفهم الشعب أو يفرض عليه أن يفهم أن الخلاص من هذا الكابوس صعب أو مستحيل فيخضع للنظام المستبد ويألف حالة الذل والإنكسار والهوان والأحزان التي حرّمها الله تبارك وتعالى على عباده بقوله :”ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”.

هذا الصعب أو المستحيل في نظر الشعب المستعبد هو في الحقيقة مجرد سقف ذهني كاذب يشبه الحمل الكاذب .

مقالات ذات صلة

هذا السقف الذهني الكاذب الذي تخضع له عقول المستعبدين صنعته الأنظمة الإستبدادية بقوانينها وأساليبها وإعلامها المخادع المضلل لإطالة بقائها جاثمةً على صدورهم عبيداً فقراء أذلاء خدماً وحرساً على السادة المرفهين المترفين المنعمين .

لخرق هذا السقف الذهني الكاذب وللخلاص من هذا الكابوس قال رب العزة :”إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

ذلك لإن ظروفنا وواقعنا كشعوب عربية هي نتيجة مخططات الإستعمار ومخلفاته الحاكمة التي استسلم لها عقلنا فساهمنا بجمود عقلنا واستسلامه في تكريس هذه الظروف السيئة .. لذلك يجب علينا أن نغير نمط تفكيرنا إذا أردنا أن نغيّر ظروفنا البائسة من أجل حريتنا وكرامتنا الآدمية.

إذا فالمرحلة الأولى هي مرحلة التفكير ونسأل الله تعالى الهداية لعقولنا .. حيث سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن وأدهم البنات في الجاهلية .. ألم تكن لكم عقول ؟! قال : قد كانت عقول ولكن لم تكن هداية .

رائعٌ أن يشتغل البعض بفضح جرائم الأنظمة المستبدة وكشف فضائحها للناس ، لكن لا يجب التوقف عند هذا الحد والإكتفاء به ذلك لأن الأنظمة المستبدة مشكلة مزمنة قائمة ولا بد للشعوب من البحث عن حلٍ نهائي لهذه المشكلة.

ويتطلب هذا الأمر في البداية تسجيل كل العقبات ودراستها ثم البحث عن الحلول المناسبة لإزالتها .

وهنا لا بد من تحصيل الشعب لرصيد هائل من الأمل بالنجاح لأن الأمل هو الدافع الكبير لمواصلة المشوار .

إن الأنظمة الإستبدادية وعصابة الفساد الديناميكية العاملة لها ليس لديهم متسع من الوقت للنظر في أخلاقهم وممارساتهم أو سلوكياتهم في التعامل مع الشعب لا لتحسينها ولا لتعديلها لأن جُلّ همهم هو التشبث بالسلطة التي سلّمها لهم الإستعمار ثم نهب ما تيسر لهم من أموال الشعب وثروات الوطن ورصدها في البنوك الأجنبية ليوم تشخص فيه أبصارهم، وفي حدسهم أن هذا اليوم قد يأتي فجأة، لذلك يلجاؤن وباستمرار للقمع والاعتقال والتعذيب والقتل أحياناً لتخويف الشعوب وقهرها ليستمر الكابوس .

بالمقابل يجب أن يكون للشعب برنامجاً دائما قائما على الأمل والعمل لتحقيق الهدف السامي وهو إزالة هذا الكابوس بالالتقاء مع الموعد الرباني “وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا”.

إنّ إعمالَ العقل بالتفكير لرفع مستوى وجودة التفكير لبلورة أفكار أفضل ضرورة لازمة للتأثير على الظروف الصعبة والعقبات القائمة لتغييرها، وهذه الأفكار الأفضل يجب أن تتضمن حلولاً مناسبة للعقبات القائمة .

كما أن السير في الطريق الصحيح هو السبيل الوحيد لتحقيق الهدف، لكن إذا تعذّر السير في هذا الطريق وأجبرت الشعوب على التوقف ومنعت من التقدم فلا بد على الأقل من الثبات على هذا الطريق وعدم الحيدة عنه بانتظار فرصة سانحة.

يتطلب هذا الجهد تجمّع شعبي قلّ أو كثُر لكنه يجب أن يكون بمفهومٍ واحد مشترك وإذا تعددت المجاميع الشعبية وتعددت معها المفاهيم فلا بد على الأقل من الإتفاق على هدف مشترك وهو الخلاص من الكابوس، ولا بد لذلك من قادة موضع ثقة لديهم الشجاعة والجسارة لأن الجمهور على استعداد للسير خطوة إذا رأى القائد قد سار خطوتين ويسير الجمهور خطوتين إذا سار القائد ثلاثة وهكذا .

أخيراً نؤكد على أن الشيء الذي فضل الله تعالى به البشر عن سائر المخلوقات هو العقل، وأن التفكير هو الخطوة الأولى للخلاص من الكابوس ..وهذا يعني أن الحل بأيدينا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. انت دوماً تتحفنا بمنشوراتك الرائعه يا عزيزي ابو محمد استمر على هذا النهج وسترى الخير. كل الاحترام والتقدير لشخصك الرائع اخوي الحبيب ضيف الله

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى