تعطيل المدارس.. ماذا عن أبناء العاملات؟ / شروق جعفر طومار

تعطيل المدارس.. ماذا عن أبناء العاملات؟
شروق جعفر طومار

من جديد، اتخذت الحكومة قرارا بتعطيل المدارس والتحول إلى التعليم عن بعد لمدة أسبوعين قابلة للتمديد، سعيا لكسر سلسلة العدوى بفيروس كورونا مع ازدياد عدد الإصابات بالفيروس، مستثنية من ذلك طلبة التوجيهي والصفوف الثلاث الأولى وهو استثناء في محله وينطوي على حكمة ينبغي الإشادة بها.
قرار تعطيل المدارس ربما يكون منطقيا رغم عدم الاتفاق على ضرورته حتى من قبل ذوي الاختصاص بالنواحي الوبائية. لكن المشكلة القديمة الجديدة في القرارات الحكومية عامة، وخصوصا تلك المتخذة للتعامل مع الوباء والأزمة الناجمة عنه، أنها في معظمها قرارات مجتزأة، تفتقر للنظرة الشمولية، ما يجعل المشكلات المترتبة على تنفيذها أشد خطورة وأكثر تعقيدا من المشكلات الأساسية التي تصدر القرارات بهدف حلها في كثير من الأحيان.
تحديات كبيرة يبدو أنها سقطت من اعتبارات متخذ القرار لعل من أبرزها وأكثرها ضررا تلك التي ستواجه الأمهات العاملات والمخاطر الكثيرة التي ستحدق بأبناء هذه الفئة جراء تركهم وحيدين في البيوت.
لنتحدث ابتداءً عن مسألة متابعة الأطفال لدروسهم أثناء تواجد الوالدين في العمل، وهنا يجب أن نذكر متخذ القرار بضرورة الاعتراف بأن أبناءنا غير مؤهلين لمتابعة تعليمهم الكترونيا بمفردهم، لأنهم لم يتزودوا بمهارات التعلم الذاتي المبني بالأساس على تنمية مهارات التفكير الناقد والبحث والاكتشاف وحل المشكلات والوصول إلى النتائج.
هم تعودوا على نمط التلقين المرتكز على تقبل كل ما يقوله المعلم دون تفكير أو نقد ومناهجنا بالأصل قائمة على ذلك، كما أن المحتوى المتاح من خلال منصة درسك يقوم على نفس الآلية فهو محتوى غير تفاعلي ولا يعدو كونه محاضرات ينبغي على الطالب أن يتابعها من وراء شاشة الجهاز الالكتروني، لذلك فإن افتراض أن يقوم الطالب بمتابعة دروسه بمفرده أثناء غياب الأهل دون أن يكون هناك حاجة لإعادة الدروس له بمساعدة الأم أو الأب هو افتراض غير واقعي بالمطلق.
ثم إن جعل خدمات المنصة مدفوعة الثمن بعد الرابعة عصرا، وهو الوقت الذي لا يمكن للأم العاملة التواجد قبله مع أبنائها، لا يمكن النظر إليه سوى أنه تقصد للتضييق على المواطنين واستهداف جيوبهم في الوقت الذي لا تتحمل فيه الأسر الأردنية أي نفقات إضافية.
الأمر الآخر الذي لا يقل خطورة عن مشكلة متابعة التحصيل العلمي، بل ربما يزيد، هو التبعات السلبية لترك الأبناء وحيدين لفترات طويلة دون رعاية ولا رقابة، وهنا ستجد الأمهات العاملات أنفسهن أمام خيارين أحلاهما مر.
فإما أن تضطر لترك عملها، وبالتالي فقدان الأسرة لمصدر دخل رئيسي وهو ما سيوسع نطاق الفقر الذي يسعى الأردن لتضييقه، وسيشكل ضربا لكل المساعي الرامية لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
أو أن تضطر لترك الأبناء وحيدين في البيوت في حضن مخاطر لا يمكن حصرها ولا تخيلها. فبالإضافة للمخاطر العديدة المرتبطة بالأمان والسلامة، هناك مخاطر أخرى نفسية وتربوية ستلحق بهم جراء تركهم لهذا الوقت الطويل بغياب والديهم.
هؤلاء الأطفال لن يكون أمامهم سوى قضاء ساعات طويلة على شاشات الأيباد والأجهزة الإلكترونية والغرق في المحتويات غير الآمنة نفسيا وأخلاقيا التي تمتلئ بها صفحات الإنترنت والتي سيكونون فريسة سهلة لها في ظل غياب رقابة الأهل.
إلى جانب كل ذلك، يجب التنبه إلى الانعكاسات السلبية والخطيرة على نفسية الطفل جراء الشعور بالوحدة أو الخوف أو المسؤولية الفائقة عن قدرته في تدبر أموره أو رعاية أشقائه الأصغر سنا خصوصا مع تعطيل رياض الأطفال وهذا الأمر تحديدا يشكل انتهاكا صارخا للطفولة.
يجب أن ينظر متخذ القرار بشمولية إلى كل هذه الأمور التي لا يمكن اعتبار أي منها أقل خطورة من خطر الإصابة أو العدوى بالفيروس، وان يلحق بقرار تعطيل المدارس قرارات وتعليمات تمنح الأم العاملة خاصية الدوام المرن والعمل عن بعد بما يتيح لها التواجد مع أبنائها أثناء فترة التعطيل، لكي يكون القرار منطقيا وواقعيا وقابلا للتطبيق دون خسائر قد لا نتمكن من تعويضها مستقبلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى