حتمية المواجهة بين إسرائيل و إيران / د. نبيل العتوم

حتمية المواجهة بين إسرائيل و إيران

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية

خلال الأسابيع الأخيرة، دخلت العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية مرحلة جديدة، وبدأت التّوتّرات تشتدّ انطلاقاً من بوابة الأزمة السورية، في الوقت الذي نجحت فيه طهران استكمال إنشاء المليشيات الموازية، وكلفتها بمهمة إيجاد موطئ قدم لملء الفراغ الّذي خلّفته هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» – “«داعش»، إيران ونتيجة جملة من المعطيات بدأت توسيع مجالها الحيوي لتدشين ” الكرادور الإيراني” ، للاحتفال برحلة العبور إلى المتوسط، فنقلت عدتها وعديدها من المرتزقة والسلاح الصاروخي وغير الصاروخي، بموازاة ذلك وضعت إسرائيل خطوطها الحمراء، وباتت معه مضطرّة للتدخل مباشرة وبشكل أوسع، وتم إعطاءها الضوء الأخضر لمواجهة إيران ووكلائها، دون أن تنطلق صواريخ الاس 300، و600 الروسية لمواجهتها، وإضفاء الشرعية على الضربات الإسرائيلية كحالة من الدفاع عن النفس المتفق عليها بين موسكو، وتل أبيب.

إيران وإستراتيجية ابتلاع سوريا :

في الآونة الأخيرة، باتت تتركز الأنظار بشكل كبير على المشروع الإيراني الذي يتمدد كالسرطان في جسد الدولة السورية المنهك لفترة ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولا سيّما خطّة تعزيز محور ” الممانعة “، ونقل المعركة إلى خارج الحدود الإيرانية، وتعزيز دور الوكلاء كما يقول نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي .

ووفقاً للإستراتيجية الإيرانيّة، فإن خطط إقامة القواعد الثابتة في سوريا وتعزيز وجودها العسكريّ، والاستخباري، والاقتصادي، والديموغرافي، والعقائدي ليس ضدّ إسرائيل وحدها، بل ضد الدول العربية، وكقاعدة متقدمة لمكاسرة الدول الإقليمية كتركيا، ومنافستها على الدور، بالإضافة إلى توظيف ذلك ضمن سياق ” تخادم الملفات “التي تبرع بها دولة الولي الفقيه خدمة لأمنها القومي ومصالحها الوطنية .

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزت ذلك إلى توقيع اتفاقيات سياسية وعسكرية واقتصادية مع رأس النظام السوري، منحها رخصة إنشاء مصانع عسكريّة لإنتاج منظومات صاروخية، لإمداد حلفائها مباشرة.

تركّز الإستراتيجية الإيرانية كذلك على جملة من النقاط :

أولاً: استغلال وتوظيف المتغيرات الجغرافية السورية ومحاولتها تدشين “نقاط الاتصال ” انطلاقاً من إيران مروراً بالعراق وسوريا ووصولاً إلى البحر الأبيض المتوسّط – انسجاماً مع نظرية (أم القرى) وتجسيداً للمشروع الإيراني ” نحو دولة إقليمية عظمى بحلول 2030م ، الذي يسعى لتعزيز فكرة “المصدات” ” الخنادق ” للدفاع عن المجال الحيوي، ولم شيعة الشتات لتكون تحت عباءة الولي الفقيه ،

وهذا سيمكّن إيران من تعزيز مكامن قوّتها السّياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة في العراق وسوريا ولبنان، وإبرازها بصورة أكثر فاعلية، بما في ذلك الأشراف عليهم بشكل مباشر، وتسليح مخالبها وتوجيههم.

ثانياً: تهدف إيران إلى ضمان ما تبقى من الجيش السوري ضعيفاً ومنهكاً، لصالح وكلائها، الذي يشكل فيه شيعة الشتات الغالبية العظمى .

ثالثاً : أجبرت إيران النظام السوري على منح هذه القوات امتيازات الجنسية والتملك، والمشاركة في إستراتيجية ملء الفراغ الديموغرافي بعد عمليات التهجير التي طاولت السنة السوريين، ومن شأن هذه المليشيات أن تزوّد إيران بأداة قوّة في فترة ما بعد الحرب، لتكون قوة إيران الضاربة داخل سوريا وخارجها .

الهواجس الإسرائيلية :

تنظر إسرائيل إلى أن هذه الاستراتيجيات الإيرانية تشكل تهديداً خطيراً لأمنها واستقرارها بعد أن تحوّلت سوريا إلى مزرعة إيرانية، وخروج دولة الولي الفقيه عن الدور الوظيفي المناط بها من الانتقال من أحد أدوات الفوضى ونشر النزاعات داخل الجسد العربي، وحماية نظام بشار الأسد، واستنزاف قدرات الدولة السورية، إلى مرحلة الشراكة مع إسرائيل والغرب، مما يمكّنها من تحويل سوريا إلى ورقة مقايضة وجبهة دائمة لصيقة بإسرائيل.

ترامب وبوتين ودبلوماسية التضامن مع إسرائيل :

ترى إسرائيل أن الوقوف والتصدي لمخططات إيران ووكلائها خارج بات يشكّل تحدياً كبيراً، نتيجة الاندفاع غير المسبوق والسعي للاحتفال مبكراً بتدشين ” الحلم الإيراني” للهيمنة الإقليمية، وخروجها عن الدور المتفق عليه ، وتريث الولايات المتحدة وروسيا في اتخاذ خطوات استباقية حيوية لوقف المشروع الإيراني، حتى تحقق واشنطن وموسكو أهدافها وأغراضها من التدخل الإيراني .

من المؤكد أن ترامب وبوتين يتقاسمان لرؤية حول أهمية تحجيم الدور الإيراني، وهما يدعمان إستراتيجية الردع الإسرائيلية” المحدودة” كخطوة أولى ضدها، ولكنّ إسرائيل تترقب ما إذا كانت واشنطن ستقوم بتنفيذ تهديدها وتقوم بالانسحاب من الاتفاق النووي، وتنفذ إستراتيجيتها التي تعهد بها ترامب، كجزء من خطة شاملة للتّصدّي للأنشطة الإقليمية الإيرانية، ووقف ابتلاعها لسوريا والعراق ولبنان .

وبالتنسيق مع روسيا – منذ تواجدها العسكري في سوريا في أواخر عام 2015 دعماً لنظام بشار الأسد وحلفائه – استطاعت إسرائيل توثيق علاقاتها الإستراتيجية مع بوتين وإنشاء آلية ثنائية فعالة لتجنب المواجهة العسكرية بين الطرفين، وأقرت موسكو خطوط إسرائيل الحمراء، ومارست دبلوماسية وإستراتيجية الحياد ​​عندما قامت إسرائيل بتوجيه ضرباتها العسكرية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا .

من المؤكد أنّ روسيا ترفض الخطط الإيرانية الّتي تهدف إلى تكثيف وجودها العسكري برياً وبحرياً، وإنشاء قواعد تزاحمها، وبالتالي فإن التدخل الإسرائيلي يخفف عنها عبء المواجهة المباشرة مع الوجود الإيراني في سوريا .

يمكن القول : إن التطورات تشي بأن مسار الأحداث يتجه نحو التصعيد، وأن التوتر بلغ مداه وإذا استمر المسار الحالي، قد تصل الأمور بين إسرائيل وإيران للمنازلة على الأرض السورية ، وتنزلقان إلى حافة الهاوية في نهاية المطاف؛ فإسرائيل وضعت خطوطها الحمراء، وهددت بالرد في حال تجاوزها، لكن الخطوط الحمراء الإيرانية في هذه المرحلة غير واضحة واكتفت بالإعلان عن حقها بالرد في الزمان والمكان المناسب.

في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة وحلفائها على تعزيز جهودها لتعديل الاتفاق النووي، ما قد يؤدي ذلك إلى اندلاع مواجهة بين واشنطن وطهران .

وفي الختام، يمكن لهذه التطورات التوفير على مهمة إسرائيل التّصدّي للخطط الإيرانية في سوريا بشكل منفرد، بحيث تصبح الإجراءات العسكرية الإسرائيلية أن تصبح ضمن إستراتيجية أمريكية أوسع نطاقاً تهدف إلى منع إيران من التوسع والهيمنة في سوريا والمنطقة، بدلاً من أن تحمل إسرائيل وحدها معظم هذا العبء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى