تركيا وإيران والمسؤولية التاريخية

#تركيا و #إيران و #المسؤولية_التاريخية

فؤاد البطاينة

يَخطبُ الأقوياءُ ودَّها ورضاها، ويتسابق الضعفاء وسواد أنظمة العرب على تقديم القرابين لها، إنها الصهيونية. عواصم الأقطار العربية كلها تحت القصف، والعواصم الإسلامية كلها ملغمة، والكسيح لا يتكئ على أعرج، ولا الأعرج يدَّخر الكسيح. ومن هو غير مرتمي بحضن الشرعية الصهيونية من الأنظمة العربية فإنه يؤدي التحية لها ويغمز ما بين خذوني معكم أو خذوا ما في الهيكل واتركوني ملكاً. كلهم على سنة يهواش الذي استنادا لسفر الملوك الثاني إصحاح 12 الفقرات 17 – 19 جمع خزائن الهيكل المزعزم من ذهب ومقدسات ربه وقدمها لحزائيل ملك أرام كي يبقيه ملكاً على جماعته .
دعونا نلتقط الأمل من أنّى يلوح فنحن العرب نغرق . لقد شدّت انتباهي أخبار رغبة تركيا وإيران بالتعاون الواعد بينهما بموجب خارطة طريق، وأعادني هذا بالذاكرة للوراء نحو صلة هذا التوجه بما جاء في كتاب صِدام الحضارات الذي كتبه الصهيوني Huntington وهو ليس مجرد عالم سياسة بل كان جزءا من النظام الأمريكي ومنظريه. وفي كتابه يقدم منظوره لما يجب أن تعتمده السياسة الأمريكية من نهج لحماية أمريكا والغرب وتأمين تفوقها في القرن ال 21، افترض المذكور الإسلامَ هو التحدي الأساسي أمام الغرب عامة متهماً إياه بالعنف والتطرف وتهديد الثقافة الغربية وحضارة الغرب ومكتسباتهم، ودعا للتماسك في مواجهة الإسلام والمسلمين في عقر دارهم.
وصلة الربط أن هنتجتون يرى الصراعات في القرن ال 21 ستكون طبيعتها ثقافية تقوم على الدين. وبأن هذا القرن لن يكون أحادي ولا ثنائي القطبية. بل سيكون نظاماً متعدد الأقطاب على أسس دينية . ويسرد المذكورُ العديدَ من الأقطاب من أهمها الصين بالثقافة الكونفشيوسية، روسيا والثقافة الأرثوذكسية، والولايات المتحدة والثقافة البروتستنتية – الكاثوليكية. وكان هاجسه الدول الإسلامية فعدد أكبرها وتصوَّر بأنه ليس منها من تتوفر فيها كل المعايير معاً لتشكل قطباً إسلاميا، معتمداً معايير مثل الكثافة السكانية والتركيبة الإثنية والدينية والقوة الإقتصادية. بيد أنه أشار إلى أن تركيا تمتلك كل مقومات القطب لكنها لن تكون قادرة على أن تكون القطب الاسلامي لترسخ العلمانية فيها وكونها دولة أطلسية. وبالطبع كان يتكلم عن تركيا وايران التي اعتبر تركيبتها الإثنية مانعاً، في ميزان عام 1996 عام نشر الكتاب.
عودة لفكرة التعاون التركي الإيراني وأقول… فبينما المشنقة منصوبة في فلسطين وحبلها يلتف على رقاب العرب كلهم، والكعبة والأقصى محتلان وأسيران،،والمقاومة الفلسطينية تواجه نكراناً وحصاراً دولياً وعربيا، والمشروع الصهيوني يُحكِم قبضته لإحتلالية على فلسطين ويغزو الأردن، وصمود سوريا يواجه هجمة سياسية ليست روسيا بعيدة عنها، ولا نرى مؤشرات عربية على المدى المنظور للتغيير إلّا للأسوأ، فإننا نرى بصيص صحوة إسلامية، تركيا وايران قارتان مسلمتان ثريتان بالتاريخ والعقيدة وبمقدرات القوة وكلاهما مستهدفتان حتى لو صلَّتا للغرب الصهيوني جماعة، فكيف لا تلتقيان والمنطق يقول لا نجاة إلا بالقوة في وجه القوة.
العالم الإسلامي يعاني من فراغ الشرعية، لنتق الله في الوطن والأمة والدين وفيما نحن فيه وفي كلامنا وفعلنا. تركيا اليوم ليست بتركيا الأمس من سيفر ولوزان وتقز بتؤدة عن ثقافة أتاتورك، إنها في تصاعد مُذهل ومرعب للغرب، إنه تصاعد في الموقف والقرار الحر وروح التحدي وبالقوة المادية الذاتية اقتصاديا وعسكرياً . لكنها تُدرك بأنها لن تكون مقبولة من الغرب ولا آمنة من شرهم إلّا وهي ضعيفة ومنزوعة عن جلدها وذليلة وبعيدة عن الإسلام، وتُدرك بأنها ستكون في مواجهة الغرب كله لإخضاعها بعد إيران ولن يكون الأطلسي إلّا عليها . وإيران اليوم بالمقابل قوة تضاهي الدول النووية في قوة ردعها وصلابة وصمودها، وتتحدى الغرب علناً بدعم المقاومة الفلسطينية وتنجح، والعالم كله يتكالب عليها بلا حليف استراتيجي لها من الدول الكبرى، ولكن الى متى والهدف هو استسلامها بالضغوطات الإقتصادية والحصار وإلّا فجنون الحرب المدمرة . فلماذا لا تلتقيان .
وإن التقتا في تحالف، فمن المنتظر أن تكون أندونيسيا والباكستان وماليزيا وغيرها، وبعض الدول العربية جاهزة للإنضمام في بناء المشروع. وعندها قد تدفن خدعة منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية اللعينة، ونخرج بمؤسسة تمثل قطباً عالمياً موازيا وقادرا على حماية نفسه ونهضته. وستكون الشعوب العربية أول المستفيدين باتجاه سهولة قدرتها على فرض التغيير لدى أنظمتها، بل وستكون الفرصة مهيأة للأنظمة التي تتوفر لديها النية في التخلص من قيود الصهيو أمريكي للإنضواء تحت دعم وحماية القطب. وستكون القضية الفلسطينية في حضن شرعي ورصين ومسئول، ويكون للمقاومة الفلسطينية حضورها الدولي ولها حاضنتها العريضة والدعم السياسي والمادي. هذا التحالف أمنية يتمنّاها أصحاب الضمائر والمؤمنون والحريصون على القضية الفلسطينية ومواجهة الحلف الصهيوني.
نحن في حديثنا عن إمكانية صحوة ايران وتركيا على حيوية تحالفهما وبناء مشروع اسلامي لا نتكلم خيالأ ولا نستبعد التحقق . فهما في هذه الظروف وما بعدها في أشد الحاجة الوطنية والقومية على الأقل للتحالف. وليس من المنطق لي كعربي وصاحب قضية انتقاد رغبة الدولتين أو التشكيك أو الحط من أيهما، ولا أن نكون أتراكا أكثر من الأتراك ولا إيرانيين أكثر من الإيرانيين ولا أدرَى منهم بمصلحتهم. ونحن نعلم باختلاف وجهات نظر شعبنا العربي من سلوك ومواقف الدولتين من القضية الفلسطينية ومن مجريات الأحداث في الدول العربية المفتوحة مشاعا لكل غازي، ولكن لننتحل العذر انتحالاً لوجهات نظر الدولتين. ففي حالة تحالفهما وبناء المشروع الاسلامي ستسود روح أخرى ومنطق الإسلام والقانون. وستتعزز قوميات المسلمين التكاملية والحفاظ على حقوقها وأراضيها وتكون الفرصة من جديد أمام النهوض العربي ومشروعه.
كاتب وباحث عربي

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى