بلا مجاملة / د. هاشم غرايبه

بلا مجاملة

جاءت الأحداث التي رافقت تنظيم نهائيات بطولة آسيا لكرة القدم التي أجريت في أبوظبي لتثبت مصداقية المثل الشعبي الذي يقول: “لا تدفع ابن الحرام..فسوف يسقط لوحده”.
لم تكن تلك المباريات لتثير حماسا عريضا في الوطن العربي، لو لم تتدخل حماقات (العيال) التي أصبحت صاحبة القرار في معظم أقطار العروبة، فأصبحت نزوات أولئك الصبيان تعتبر إلهاما للأمة، ورعونتهم حكمة، وطيشهم رؤى يتمثلها العقلاء ويسترشدون بهديها..
الرياضة بحد ذاتها لهو ولعب، والفوز في مبارياتها عارض ومتغير، لا يرفع قدر الأمم نيل البطولة ولا يذلها خسارتها، ويفترض أن تقتصر الإنفعالات سواء كانت الفرحة بالفوز أو المغتاظة من الخسارة على المشاعر الشخصية، ولا تتعداها الى العلاقات والتعاملات.
من يخالف هذا العرف هم فئتان فقط، المستثمرون الجشعون سواء كان ذلك الإستثمار ماليا أم سياسيا، والحاقدون الذين يبحثون عن وسائل لنفث أحقادهم والتنفيس عما يعتمل فيها من أوار لا ينطفيء.
لذلك وجدنا الغرب الحاقد على الإسلام يعاقب ماليزيا فيسحب منها تنظيم مباريات دولية للسباحة، لأنها رفضت استقبال لاعبين من الكيان اللقيط ليشاركوا في تلك المباريات، واستعملت حقها في عدم منح سمة دخول لمن تعتبره شخصا معاديا، تماما مثلما تفعل كل دول الغرب طوال الوقت.
الأصل أن لا تتدخل السياسة في الرياضة، لكن ذلك بالنسبة للغرب انتقائي، أي هي التي تحدد متى يتم تفعيل ذلك المبدأ أو تجاوزه، فهنالك دول إسلامية لا تعطي أمريكا رعاياها سمة دخول ولو كان ذلك الشخص بطل العالم في رياضة ما، فيما لا توقف شخصا من الكيان اللقيط متهما بجرائم ضد الإنسانية مع أنه مطلوب لقضائها، وتسهل له الدخول والخروج، ويبقى قضاؤها (النزيه) مغمضا عينيه عن رؤيته، ولا يفتحهما إلا بعد أن يتأكد من خروجه مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وإكرام.
حماقات العيال حولت تلك المباريات الى تحريض سياسي استكمالا لقصة الحصار الرباعي المشين، الذي كان جزءا من الحرب على (الإرهاب) الإسلامي، مع أن البلد المحاصر لا يطبق الشريعة ولا يدعو أصلا الى تطبيقها، لكن الحصار بحد ذاته كان بهدف محاصرة (حماس) قربانا من الكيان اللقيط.
وبطبيعة الحال فإن ذلك معاد لمشاعر الأمة جمعاء فكانت تلك الحماسة في كل أقطار الأمة لتأييد المنتخب القطري الذي كان يشق طريقه نحو البطولة بكل عزيمة، وكان التضامن معه بعد أن منعوا مواطني قطر من حضور المباراة لتشجيع فريقهم بحجة نفاذ بطاقات الدخول، فكان الرد أن دبت النخوة في المواطنين العمانيين وهبوا لتشجيع الفريق الذي يمثل العرب، وكانت الفرحة تعم أقطار الأمة بفوزه بتلك البطولة، فيما كان إعلاميو تحالف أنظمة الدفع الرباعي المشين غارقون في خزيهم وصغارهم، بعد إذ تبخرت آمالهم بفوز الفريق الياباني على الفريق العربي الشقيق.
الأكثر خزيا من هؤلاء هم تلك الفئة الضئيلة من بيننا المتشدقين بمعاداة الإمبريالية شعاراتيا، وممانعة المشروع الصهيوني إستعراضيا، لكنهم معها في حربها على الإسلام.
نسي هؤلاء ادعاءهم بالعروبية والقومية، فوقفوا مؤيدين للفريق الياباني ضد شقيقهم العربي، لتكشف أن كيديتهم لكل ما يمت للإسلام بصلة، أقوى من كل المبادئ، وغالبة على كل أفعالهم، ولتثبت بالدليل الدامغ أن الرداء القومي ما هو إلا ساتر خادع يطير مع أول هبة ريح ليكشف ما هو مخزٍ مما كان مخفياً.
ابن الأمة الأصيل هو الذي طرب لفوز القطريين، لأنهم أشقاؤه وأبناء أمته، لذلك هتف العمانيون واستقبلوا الفريق العربي، وانتظمت حلقات الدبكة في الأردن وفي كل أرجاء العروبة، ليس مناكفة بأحد، بل انسجاما مع وجدانهم، كونهم أبناء الأمة الشرعيين.. ومن كانوا غير ذلك فهم ليسوا ابناء حقيقيين.
لذلك شاءت قدرة الله تعالى تصريف الأحداث هكذا لكي تكشفهم.
حقاً…لا تدفع ابن الحرام..فسوف يسقط لوحده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى