تجارب معاصرة

#تجارب #معاصرة
د. هاشم غرايبه

بعد أن فرضت #الصين مكانتها المتقدمة بين #الدول #الصناعية، ولأنها تدرك أن #النظام #الدولي الإمبريالي السائد حاليا، لا يوفر أمانا بغير القوة الرادعة، بدأت في بناء قوة عسكرية وازنة، صحيح أن ترسانتها العسكرية لا تشكل تهديدا جديا للغرب عموما ولأمريكا تحديدا، لكنها مقلقة لأمريكا المنفردة بالسيطرة التامة على العالم.
هذا الصراع التنافسي قد يظن الساذجون من أبناء أمتنا أنه في صالحنا، لكن أثبتت الوقائع السابقة مثل الحرب على العراق وليبيا وسوريا، والحرب على الإرهاب (الإسلام)، أن الأمم الهزيلة أمثالنا هي ساحات صراعات الأقوياء، والخاسر الأول في معاركهم، حيث أن القوى الكبرى لم تعد كالسابق تتصارع على الغنائم، لأن الصراع مهلك للطرفين، بل هي تتعاون وتتوافق على تقاسم أشلاء الفرائس.
لماذا تسعى الصين للوصول الى مراتب في القوة متقدمة؟.
لقد وصل النظام العالمي الجديد الى الثبات بفعل استفراد أمريكا بالقوة العسكرية، وهذا لا يسمى استقرارا، بل حالة من توقف التجاذبات الإقليمية بسبب فرض أمريكا الهيمنة على الجميع وإقرارهم لها بذلك، وقد استثمره الأمريكان في أكثر من صعيد: اقتصاديا فرض الدولار نفسه ومن غير الحاجة الى غطاء ذهبي بالقوة ذاتها التي فرضتها حاملات الطائرات الأمريكية، ثقافيا فرضت الثقافة الأمريكية في كل بقاع الأرض، فصار (الجينز) و (الماكدونالدز) و (الكوكاكولا) عنوانا لها تجده أينما حللت، وفرض الإعلام ووسائل التواصل الأمريكي (الفيسبوك والواتس اب ..الخ) كوسيلة وحيدة لالتقاء البشر.
إذاً فالهيمنة ليست لمجرد التباهي، بل هي مكاسب ومنافع مباشرة، أنتجت رخاء وازدهارا للشعب الأمريكي، رغم أنه ليس أمة عريقة، ولا وارث أمجاد تليدة، بل هم مجموعات سكانية مختلفة الأصول والمنابت، جاءوا الى هذه القارة من كل حدب وصوب، بعد أن أباد الغزاة الأوروبيون أهلها الأصليين، واستعمروا أراضيهم.
لذلك فكل أمم الأرض تصبو الى تبوء هذه المكانة الرفيعة التي انتزعتها أمريكا من بريطانيا منذ سبعين عاما، والتي بدورها تمتعت بها قرنا واحدا، بعد تمكنها من إزاحة الدولة الإسلامية التي انفردت بكونها القوة الأعظم طوال عشرة قرون كانت تضعف فيها أحيانا وتقوى، لكن لم يتمكن المنافسون من اسقاط هذه القطبية الإسلامية إلا بعد أن تمكنوا من تقسيم الأمة وشرذمتها، فكانت الأمة الوحيدة من أمم الأرض التي تجزأت الى أقطار، وما كان ذلك لينجح لولا خيانة من بني جلدتها طمعا بالحكم، فيما فشل ذلك الأسلوب مع كل الأمم الأخرى غيرها، لأنهم لم يجدوا من بين أبنائها من يتبرع لمحاربة عقيدة أمته واتباع عقيدة أعدائها، فرغم هزيمة ألمانيا واليابان وإيطاليا، واستسلامها بعد تمزقها شر ممزق، إلا أن أحدا من ابناء تلك الأمم لم يقبل الإنقياد الى ثقافة أو عقيدة الأمة الغالبة، وظل الجميع متمسكين بثقافتهم وبوحدة أمتهم، الى أن نهضت وعادت من جديد الى نادي الأمم القوية المتنافسة على الصدارة.
الصين رغم عراقتها وريادتها الحضارية، إلا أنها لم تحظَ يوما بقيادة العالم، بل تعرضت الى الإحتلال من قبل أمة أصغر منها بكثير هي الأمة اليابانية، وبعد تحررها منه، خضعت لنظام شيوعي مستبد تبنى فكرة لا واقعية، عانت فيها الصين من الظلم والتأخر خلال الفترة الماوية، وتعطل تقدمها الحضاري نصف قرن، لكن في العقدين الأخيرين، تنبه قادتها فصححوا المسار، واستطاعوا خلال عشرين عاما استغلال الطاقة السكانية الجبارة لصالح بناء قاعدة تصنيعية منافسة للغرب، وباستلهام التجربة اليابانية في اختلاس التقنيات الغربية، ثم باستغلال رخص الأيدي العاملة، تفوقت في التنافسية التجارية بشكل ساحق على الصناعات الغربية، وتمكنت في أغلب الميادين من فرض نفسها كبديل لتلك السلع، بدلالة أنه لا يوجد حاليا أي منتج غربي مهما كان عالي التقنية يخلو في تركيبه من قطع صينية المنشأ.
بعد أن حققت الصين هذه المكانة، لم يبق عليها إلا أن تحميها، والوسيلة الوحيدة هي القوة العسكرية.
هذا درس لأمتنا المخذولة من أبنائها، وهم فريقان: الأول قاعدون لا يفعلون غير الدعاء بأن يهلك الله الظالمين بالظالمين، والثاني أشد خيبة، إذ يعتقدون أنهم بالتبعية للأعداء ولمنهجهم سوف يفلحون.
ليس أمامنا من خيار غير النهضة كما فعلوا، والخطوة الأولى وحدة الأمة، والوسيلة الوحيدة لوحدتها هي عبر التوحد على منهجها، ويكفينا قرناً من التجريب الفاشل في غيره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى