نتنياهو يقود إسرائيل إلى الدمار وجهة نظر “إسرائيلية”

نتنياهو يقود إسرائيل إلى الدمار وجهة نظر “إسرائيلية”
د.م سفيان التل

لست بحاجة أن أشرح لكم عن الأوضاع العربية والعربية البينية فأنتم تشاهدونها كل صباح وتسمعون انفجاراتها مع كل نشرة أخبار، ولكن كيف هي الأوضاع الداخلية في “إسرائيل”، سأنقلها لكم من وجهة نظر “إسرائيلية “وليست عربية”.

أوري افنيري كاتب “إسرائيلي” مشهور، وأحد أشهر ناشطي اليسار وسبق أن كان عضوا في الكنيست، وقد بلغ من العمر عتيا وربما تجاوز 95 عاماً. في مثل هذا العمر تزداد تجربة الكاتب ولا تنقصه الحكمة أو الشجاعة ليقول لنتنياهو أنت تقود “إسرائيل” إلى الدمار.

يشبه الكاتب نتنياهو بالمقامر الذي حالفه الحظ وهو يجلس على مائدة الروليت “القمار” ويبدأ يربح ويربح، ويجمع أرباحه “الفيش” ويكدسها فوق بعضها على الطاولة أمامه حتى تصل إلى مستوى عينية.

هنا يستطيع المقامر أن يتوقف عن اللعب وهو في قمة حظه، ويجمع ما ربح وينصرف ليعيش بقية حياته مرفها. لكن المقامر لا يستطيع أن يتوقف، بل يلتصق بمكانه على طاولة الروليت ويستمر في اللعب، إلى أن يتخلى عنه الحظ ويبدأ بالخسارة، ويأخذ رصيده بالانكماش والتراجع. وبالرغم من أنه يستطيع التوقف عن اللعب، والاحتفاظ بجزء من أرباحه وعلى الأقل، إلا أن المقامر عادة لا يستطيع ذلك، ويستمر باللعب حتى يفقد الشريحة الأخيرة لديه. ويقول الكاتب إن النتيجة كما نشاهدها في الأفلام، أن اللاعب يستيقظ ليضع مسدساً على رأسه وينتحر.

يقول أفنيري أن نتنياهو هو ذلك المقامر فقد حالفه الكثير من الحظ وشعبيته ارتفعت إلى السماء، فالاقتصاد مزدهر، ولا توجد بطالة، والشركات “الإسرائيلية” تباع في الخارج بمبالغ فلكية. ويتصرف ترامب رئيس أهم بلد في العالم كما لو كان عبداً عنده. واعترفت الولايات المتحدة بأن القدس الموحدة هي عاصمة “إسرائيل الكبرى”، واحتفل بفوز “إسرائيل” بالأغنية الأوربية وكأنه انتصار في الحرب. وتتحدث الصحافة العالمية عن ترامب وبوتن ونتنياهو في نفس الوقت، كما لو كانوا ثلاثة عمالقة.

وفي الداخل “الاسرائيلي” أصبحت سلطته غير محدودة وليس له منافسين، فقد تم تطهر الحزب الحاكم من أي منافس محتمل له، وما تبقى من رجال الحزب ليسوا إلا أقزاما أمامه.

يضاف إلى ذلك فانتنياهو يدمر كل المؤسسات التي تعمل على حماية الديمقراطية وتحمي النظام من أن يتحول إلى دكتاتورية، ومن هذه المؤسسات التي استهدفتها، المحكمة العليا، المدعي العام، مراقب الدولة، رئيس الشرطة، ويتم سحق كل من لا يستسلم له. فقضايا الفساد ضده وضد زوجته سارة والتي لا تحتاج لأكثر من شهر للبت فيها تستمر لسنوات دون أن تبدو أية نهاية لها في الأفق.

ويقول افنيري، على الجانب العربي فإن ما يحدث اليوم لم يكن في الماضي إلا مجرد حلم، فالسعودية ومصر تتعاونان معه ضد إيران وبشكل علني. وقبل أيام ذبح الفلسطينيون العزل في غزة بالجملة، ولم تندلع المظاهرات في أي دولة عربية أو الضفة الغربية، ولا في القدس الشرقية، وبقي العالم صامتاً وكان رد الفعل الدولي على المجزرة في غزة دون الحد الأدنى، إلا أن رد الفعل الجدي والوحيد جاء من أردوغان حاكم تركيا، ولكن هذا الرد دفن تحت ضجة من السخرية في اسرائيل.

خلال السبعين سنة المنصرمة كانت الحكومات الإسرائيلية تتظاهر بأنها وصلت إلى السلام مع الشعب الفلسطيني، التي كانت تنكر وجوده حتى ذلك التاريخ، وخلال حكم نتنياهو تبخر كل ذلك وتناسى هو ما قاله عن حل الدولتين، ولا مزيد من عروض السلام، ولا تنازلت مؤلمة، وتجاهل كامل لمبادرة السلام السعودية المنسية أصلا منذ زمن.

هنا يسأل الكاتب لماذا يتم ذلك …؟ ببساطة يجيب: لا يوجد إمكانية للسلام دون إقامة دولة فلسطينية. ومثل هذا السلام يتطلب التخلي عن أجزاء مما سماه “أرض إسرائيل” ونتنياهو يعرف ذلك جيداً. وكلما ابتعدت فرص السلام ازدادت شعبيته.

يعود الكاتب إلى المقامر الذي بدأ الحديث عنه، ليسأل ماذا سيحدث عندما يبدأ المقامر المحظوظ في الخسارة بعد كل شيء. ويشير في هذا المجال إلى بطلين أسطوريين فيذكر اسم الأول نابليون ويمتنع عن ذكر الاسم الثاني هتلر. فالشخص الذي يكون ناجحاً جداً يصاب حتماً بجنون العظمة ويضطرب توازنه العقلي. وفي العادة يذهب كيلو متراً واحداً أبعد مما يجب، وتقع الهاوية. أن الحكمة تفرض على المقامر أن يجمع ما فاز به والذي ما زال أمامه على الطاولة (طاولة البلد) ويمنح الفلسطينيون والعالم العربي سلاماً سخياً يضمن “لإسرائيل” السلام لأجيال قادمة. من الحكمة أن تحقق الدولة السلام عندما تكون في أوج قوتها. لكن نتنياهو ليس حكيماً بما يكفي للقيام بذلك وسوف يستمر في طريقه الحالي.

الحرب مع إيران ستكون كارثية ومدمرة للطرفين، وربما يتجنب نتنياهو الوقوع في هذا الفخ، إلا إذا اقتربت التحقيقات الجنائية ضده من المحاكمة وأصبح مستقبله في خطر، عندها ستكون الحرب الملاذ الأخير. وإذا لم تقع الحرب فليس هناك إلا دولة الفصل العنصري أو دولة الشعب اليهودي، من البحر المتوسط إلى الصحراء، وستكون ذات أغلبية عربية تنمو بلا توقف حتى يتحول توازن القوى داخل الدولة.

لقد حدث ذلك مراراً وتكراراً في التاريخ، وهذا ما سيحدث “لإسرائيل”، ستصبح ثنائية القومية مع تقلص أقلية يهودية، لأن اليهود لن يرغبوا في العيش في هذا البلد. ومتى سيحدث ذلك، في خمسين سنة…مائة سنة… وسينتهي الفصل الصهيوني المجيد وسوف ينتشر اليهود مرة أخرى في جميع انحاء العالم.

يقول الكاتب أن قلبي يتألم عندما أرى الجماهير مأسورة بجاذبية نتنياهو وتبعثه إلى الهلاك.

كل ما سبق يذكر الكاتب (بأسطورة الزمار مدفوع الأجر). عندما استفحلت الجرذان في قرية صغيرة، أتفق أهلها مع الزمار أن يخلصهم من الجرذان مقابل مكافئة. فأخذ يعزف لحناً شجياً خرجت معه الجرذان من جحورها وتبعته إلى النهر حيث غرقت وماتت كلها هناك.

بعد أن تخلص أهل القرية من الجرذان رفضوا دفع المكافئة للزمار. فعاد إلى القرية مرة أخرى يعزف ألحانه الشجية فخرج أبناء القرية يسيرون خلفه وقادهم إلى النهر حيث غرقوا جميعاً وماتوا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى