بينَ ضَجيجٍ وسَكينَة

بينَ ضَجيجٍ وسَكينَة

تَتَعَدَد الآراءُ وتَتَفاوَت كُلَّما دارَ الحَديث حَولَ المُفاضَلةِ والمُقارَنَةِ بَينَ #حياة المُدُنِ وحَياةِ #القرى فالبعضُ يَرَى أنَّ العَيشَ في المَدينةِ أَجمَلُ وأَرقى مِن حَيثِ البُعدِ عَنِ التَّفاصيلِ وسُهولَةِ الوُصُولِ إلى الحَاجَةِ والخَدَماتِ، وأَيضًا عبرَ تَمُيُزِ الحَياةِ المَدَنِيَةِ بِخُصُوصِيَةِ الأُمورِ الشَّخصِيَةِ بَينَما يَرَى البَعضُ الآخر بأَنّ حَياةَ القُرَى أهدأ وأكثَر مَوَدةً وأسلس في استِدامةِ العَلاقاتِ الاجتِماعِيَةِ مع الآخرين.

يقول أحد الشعراء؛
أهلُ القُرَى إن هم رأَوكَ بنعمةٍ
هاجت عليكَ عيونُ ألف حسودِ
وتَذاكروا أبوَيكَ أيامَ الشقا
ويُقارنوا ماضيكَ بالمشهودِ
وإذا ذهبْتَ لحجّةٍ أو عُمرةٍ..
قالوا: تَقاسمَ مُلكَ آلِ سُعودِ !

هَذِهِ الأَبياتُ شِئنَا أم أَبَينا واقِعِيَةٌ ومَنطِقِيَةٌ تَشمَلُ البعض دونَ تَعميمٍ طبعًا، فَعَلى الرُّغمِ من الجَمالِ المُتأصِلِ في قُربِ النَّاسِ من بَعضِهِم البَعض وتَواصُلِهِم الَّذي وَجَبَ أَن يَمنَحَ الحَياةَ رَوعَةً أَكبر لكنَّ القُرب المُتَزايِد والتَّواصُل المُستَمِر والاطلاع الدَّائم عَلى كَافَّةِ التَّفاصيلِ قَد يترافَق مَع حَسَدٍ أَو رَغبَةٍ في الحُصولِ على ذاتِ الامتِيازاتِ والفُرَصِ في الحَياة وهِيَ الأُمور الَّتي تُؤدي إلى خَلقِ أجواءٍ من المُشاحَناتِ والسَّلبِيةِ ونَكَدِ العَيشِ.

على صَعيدٍ آخر فإنَّ الحَياةَ المَدَنِيةَ مَليئةٌ بالتَّلَوُثِ و #الضجيج والرَّأسماليةِ البَحتةِ التي تَطغى على حَياةِ القَاطنينَ في المُدُنِ فَيَفتَقِدونَ حَقيقةً لِسَكينة الأَجواءِ وطَمأنينَةِ النَّفسِ وهُدوءِ البَالِ والرَّاحةِ التي يَحتاجُها الإِنسانُ في حَياةٍ مُكتَظَّةٍ بالسَّعيِ والكِفاحِ، دونَ أن نَنسَى رَغبتهُ أيضًا في الوُصولِ إِلى إحساسٍ دَاخِلِيٍ مَفادُهُ بِأَنَّهُ لَيسَ آلةً وُجِدَت للإنتاجِ فَقَط، حَتَّى وإن كانَ يُرَفِهُ عن نَفسِهِ بَينَ فَترَةٍ وأُخرَى فذلكَ لَيسَ بالقَدَرِ الكَافي لاستقرارٍ يَتَحَلَى بِهِ ابنُ القَريَةِ الَّذي يَجِدُ في حَياتِهِ وَقتًا أكبر بَعيدًا عَنِ التَّعَبِ.

في المُحَصِلَة، لِكُلِّ شَأنٍ من شُؤونِ حَياتِنَا مَزاياهُ وسَلبِياتهُ وجَميعُنا نَعمَل على مُحَاوَلَةِ التَّأقلُمِ مَع الحَياةِ الَّتي نَحياها مَع التَّأكيدِ دَومًا على أَنَنَا نَمتازُ بِعَدَمِ القَناعةِ أو قِلَتِها فالجَميع يَشتَكِي من حَالهِ وَيَتَمنى الوُصول إِلى ما لَيسَ لَدَيه، مع غِيابٍ شِبه تَامٍّ للحَمدِ والشُّكرِ حَيثُ أننا نَتَعامَلُ مَع مَزايانا وامتيازاتنا بالاعتِياد، ما نَمتَلِكهُ نَعتاد عَليه، ونَلهَثُ خَلف تَفاصيلٍ ( رُبَّما تافِهة ) فَقَط لِمُجَرَّد أَنَنا نَفتَقِدُهَا.

salem.mahdeen@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى