الجماهير العربية المُنتفِضة..لعيِبة أم خرِيبة ياساستَنا؟

الجماهير العربية المُنتفِضة..لعيِبة أم خرِيبة ياساستُنا؟
ا.د حسين محادين*

1- منذ مطلع تسعنيات القرن الماضي، وبعيد سقوط القطب السوفيتي الشمولي السابق، ظهر ما يُعرف بسيادة القطب العولمي الواحد. وبناء على هذا التغيّر الكوني والمُناخي الحاسم ايضا ، فأن الكثير مما كنا نُعرفه كحكام ومحكومين وحتى كمتعلمين في المدارس والجامعات والمساجد والكنائس، من افكار ومعتقدات وسياسيات وانماط إعلام وتكنولوجيا وطرق تفكير وتطبيقات سياسية عربية، لم يعُد صالحا للاستعمال او حتى التداول مجتمعيا في ظل ثورة المعلومات، وعدوى التكنولوجيا الحديثة جدا التي احتلنا إغواءً، وضرورات حياتية لمرحلة ما بعد الحداثة ومصاحباتها.
2 – لقد اصبحت الشعوب في عالمنا العربي كمستهلك اساس، شريكة متدرجة التأثير في صناعة التفضيلات الاستهلاكية الاقتصادية والسياسية عبر تأثرها، وفرحتها الشعبية بالتحولات الديمقراطية الواعدة في العديد من دولنا، جراء الظهور المتنام لصناديق الاقتراع ولو صوريا في ثقافتنا، كنتيجة مصاحبة ليومياتنا، بعد ان وقعت حكوماتنا على العديد من هذه الاتفاقيات الدولية، طمعا في الحصول على الدعم المالي المترتب على الزامية اخذنا بها، والتي اصبحت بدورها تتقدم على القوانيِن التي وضعتها حكوماتنا العربية قبلا كما كان يحلو لها مثل :- حقوق الانسان، والرشادة والحوكمة، الشفافية ،سيداو، حريتا السوق المطلقة و الحصول على المعلومة وبثها اعلاميا كسلعة ثمينة للاستهلاك الجماهيري، خصوصا عمليات البث الفضائي والتواصلي التكنولوجي المباشر للاحداث في دولنا شعبيا وليس رسميا، الامر الذي اضعف ما كانت تستأثر فيه الحكومات سابقا وهو من ما يُعرف “بسيادة الدولة” التي ذابت تدريجيا، الامر الذي احرج الكثير من الساسة في الدول العربية غير الديمقراطية، والمالكة بدورها للكثير من الموارد الطبيعية وغير المُستغلة لصالح سكانها وتنمية حياتهم، لابل انها المُستغلةِ كالسلطة تماما كثنائية مترابطة لصالح حكامها وأسرهم ومحاسيبهم غالبا. هذه الثروات الطبيعية ومنها المواقع اهمية الجغرافية الحساسة لدولنا والتي يحتاجها الغرب الصناعي والسياسي المعولم في تجاراته المتنوعة،قد جعلت “دول المركز ” المعولم يسعى الى تصدير فكره الاقتصادي والايدولوجي المُسيطر كونيا الى دول “الهامش” الفقيرة وغير الديمقراطية معا.
3- وترابطا مع ما سبق باعلاه، كان لابد من توظيف واستثمار العالم الجديد لاحاسيس الجماهير العربية الغاضبة من واقعها العربي المرّ، حرية وتنميات متخلفة، إضافة الى انها كجمهور استهلاكي مُستهدف وواعد من وجهة نظر العالم الصناعي المتقدم، كانت وما زالت كجماهير هي المستبعدة اصلا عن المشاركة في صناعة القرار السياسي ببلدانها، وبالتالي هي الابعد نسبيا عن قطف ثمار و مكتسبات السلطة مع المجاميع القليلة الحاكمة هنا او هناك.
4- اخيرا..كان لابد من تحريك الشارع الكتلي المُستفز والمستبعد اصلا من قِبل حكامه وحكومات بلدانه ليلتقي العاملان “الذاتي والموضوعي الدولي” وبشكل اوضح منذ انبلاج الربيع العربي المتوالد ” منذ عام 2012 واستمراره للآن بالضد من الوضع الرسمي السلبي القائم منذ عقود طويلة في جُل دولنا العربية سعيا، نحو التغيير المتدرج لسياسات هؤلاء الساسة كورثة للسلطات والثروات في آن في وطن تزداد فيه نسب البِطالة والفقر والفساد والاستحواذ على المال العام اضافة لبقاء فجوات الثروات واسعة المدى، بين قِلة مالكة لكل شيء وكثرة لاتملك شيئا تقريبا، علاوة على استمرار الحروب القبائلية والدينية القاصرةوتبديد الاموال عليها لصالح دول العالم المتقدم والارباح الفلكية لشركات اسلحتها عوضا عن تنفق دولنا اموالها في حقول التنمية الكثيرة لمواطنيها وبلدانها معا ، وبالتالي صُنف المتظاهرون او المحتجون من قِبل الحكومات المستأثرة بكل شيء،والرافضة حقا لفكرة الاصلاحات الطوعية لواقع بلدانها ،بأنهم اتباع لاجندات خارجية هدامة ،وانهم يستهدفون الامن والامان في تلك الاقطار وانهم تجار فتن.
اخيرا.. لقد اغرت بعض النجاحات الجماهيرية في تونس والجزائر كمثالين، ورغم تنام تضحياتها في تعديل الذهنية والسلوكية الضاغطة جماهيريا على الحكومات والساسة بامكانية النجاح في تعديل الاوضاع السياسية والاقتصادية غير العادلة في جُل البلدان العربية الى انتشار شهوة التغيير في اقطار آخرى..هل خروج الجماهير العربية الى الشوارع والمنادة بالحريات والعدالة النسبية يقع تحت المقولة الشهيرة لعيِبة أم خريِبة..؟ تحليل مفتوح على كل عناوين التفكر والاحتمالات ..فهل نحن فاعلون..؟.
* عميد كلية العلوم الاجتماعية- جامعة مؤتة.
*عضو مجلس محافظة الكرك “اللامركزية”،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى