فضفضة / سهى عبد الهادي

فضفضة

في زحمة الحياة وضجيجها الذي لا يتوقف ، اتأمل وجوه الناس هنا وهناك ، احاول ان ارى فيهم شيئا آخر ، غير ذاك المظهر الخارجي وأصباغه المتعددة وتلك الصورة المرسومة بدقة أمام المرآة ، اتمنى ان انفض عن تلك الوجوه غبار الوان السعادة الزائفة ، واكسر ما يحيط بها من براويز المجاملات ، وتلك القاعدة العريضة من الواجبات التي تحاصرنا وتكبلنا بأغلالها …

تأسرني هذه النظرة الحزينة … وتلك الضحكة البريئة … وكلاهما يشعرني بمعنى الحياة …
لا بأس في ان نتشارك احزاننا وافراحنا ببساطة وحب وإنسانية …
لماذا اصبح عيبا ان يعلم الآخرين بأننا نتألم ؟
ولماذا نتكتم على افراحنا واخبارنا السعيدة ؟
اخوفا من حسد ام هروبا من شماته …

كنا في الماضي نستغرب من الغرب وكثافة لجوء افراده لعيادات الطب النفسي ، ليمارسوا فيها فعل الفضفضة التي كنا نقوم بها بشكل تلقائي في مجتمعاتنا البسيطة ، فالعائلة والاصدقاء والأحبة كانوا دوما هم أفضل من يعالجنا نفسيا ، اذ يكفي ان تقضي معهم بضع ساعات تنفس بها عن روحك المنهكة والمرهقة من أحمال الدنيا وهمومها ، وهم يستمعون لك بكل حب ولهفة ولسانهم يلهج بكلمات المواساة الرقيقة ومحاولات حقيقية صادقة في تقديم إقتراحات وحلول لمشاكلك ولو كانت بغير ذي فائدة …
الغريب اننا ولو لم نأخذ بتلك النصائح العابرة فقد كنا دائما نشعر بعد هذه الجلسات العلاجية غير المقصودة براحة نفسية وانزياح هموم ثقيلة لطالما كانت جاثمة على صدورنا …

تطورنا ودخلت كل وسائل التكنولوجيا لبيوتنا ومعها اختلف كل شئ …
نعم اخذنا منها مكاسب كثيرة لكننا غفلنا ان نحسب خساراتنا ايضا ، فعندما سمحنا لهذا التطور الهادر كشلال منهمر ولعجلة الحياة السريعة ان تسرق منا روح الحياة ورحيقها وعمقها ومعناها السامي ، خط الزمان على وجوهنا احافير الحزن المختبئ خلف اطنان المساحيق والأقنعة ، فأصبحنا كالممثليين نعيش حياة غير حياتنا ، نقمع مشاعرنا خوفا من عيون الناس ، وما عدنا نحن نحن … !

امسينا نشاهد ما يحدث حولنا عن بعد ، نتقن دورنا كمتفرجين محايدين ، نحملق بعيون مطفأة لا تبصر شيئا ، لا يعنينا كثيرا من تتلاطمه الأمواج كريشة في عرض البحر ، قصرت ايدينا ولم تعد قادرة على مد طوق النجاة لمن يغرق ويغيب في ردهات الظلام الموحش ، اتعبتنا قلوبنا وجعا صامتا يوخز ضمائرنا التي قد غفت في سبات عميق امام شاشة صماء لم تزل تعرض صور الضحايا في اسفلها كشريط اخباري ممل …

ما أجمل ان نتذكر دوما اننا جميعا بشر … نعشق الحياة وفي دولابها نصيب ونخطئ ، نبكي ونضحك ، نخاف ونقلق … ولا أجمل من ان نتشارك لحظاتها مع احبائنا بحلوها ومرها وما تحمله من ضعف وقوة وفرح … حتى خيبات الأمل ودموعها الخجولة التي تسيل على استحياء … لنرسم في وسطها ابتسامة بريئة وعفوية تحملنا بكل رفق لعالم أفضل ولو الى حين …

معا نواجه الحياة ودوامات اعاصيرها بعواطف نبيلة وصادقة لن تستطيع التكنولوجيا مهما تطورت وسائلها وطرق تعبيرها الجامدة ان تكون بديلا او حتى وقودا لمشاعر رقيقة تنمو وتكبر لتمد يدا حانية الى الإنسانية بأكملها …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى