علماء وسفراء / شروق جعفر طومار

علماء وسفراء
شروق جعفر طومار
s_toumar@outlook.com

في جلسة عصف ذهني حول تنشيط البحث العلمي وتعظيم أثره في الأردن، كشف أحد الأكاديميين الذي كان عاد توا من الولايات المتحدة الأميركية، عن وجود أكثر من 850 طبيب اختصاص عربي في مدينة هيوستن الأميركية وحدها، عدد كبير منهم أردنيون.
هؤلاء الأطباء هم عينة فقط من قصص نجاح أردنية في مجالات عديدة، أصحابها موجودون في القارات جميعها، وهم يعملون كأفضل سفراء لبلدنا.
ورغم أهمية هذه الخدمة المعنوية التي يقدمها هؤلاء للبلاد بإعطاء صورة مشرفة عن أبناء الأردن في الخارج، إلا أنهم وبما يمتلكون من معارف ومؤهلات علمية وخبرات عملية مميزة، يستطيعون تقديم إسهامات نوعية في نهضة الوطن، ذات قيمة مادية كبيرة، لو تم تسخير القليل من الاهتمام للتفكير في كيفية الاستفادة منهم، لكن معظمهم يشكون من أنه ما من قنوات اتصال تربطهم ببلادهم، رغم استعدادهم للإسهام بأي جهد وطني في السياق.
ليس من مبالغة في القول بأن سفراءنا العلماء هؤلاء يشكلون ثروة وطنية هائلة يمكن الاستفادة منها لو تم تحفيز البحث العلمي في الأردن وتطوير أساليبه، وتوظيف هذه العقول وهذه المؤهلات والمعارف النادرة في إجراء بحوث ضمن خطط معينة في سبيل تطوير الكثير من الميادين التي تعاني ضعفا وتراجعا على المستوى الوطني.
لكننا وللأسف الشديد، ورغم يقيننا بأنه ما من تميز حقيقي لدينا اليوم في أي من المجالات، وإدراكنا التام بأن أي عملية تطوير أو تحسين لأي واقع لا يمكنها أن تقوم دون أن يكون لدينا بحث علمي قوي ومتراكم، متنوع ومتكامل، لكننا حتى اليوم مازلنا لا نأخذ البحث العلمي على قدر كاف من الجدية والاهتمام.
قبل أشهر، كشفت دراسة واستراتيجية أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جوانب مؤسفة حقا حول واقع البحث العلمي وأسباب ضعفه بل وترديه في مختلف الحقول، وكان من أبرز العوامل المؤدية لهذا الضعف حسب الدراسة؛ هجرة العقول لعدم استغلالها بالطرق المناسبة عبر التشبيك الفعال، لكن، حين نعلم بأن عددا ليس قليلا من أبنائنا في الخارج مستعدون بل وراغبون في أن يكون لهم دور حقيقي في ذلك وبأي اتجاه، فعلينا أن نفهم بأن المشكلة الحقيقية هي في غياب ثقافة البحث العلمي والإيمان بأهميته لدى مؤسسات الدولة المختلفة وبشكل خاص تلك المعنية بالبحث والتطوير.
الدراسة ذاتها أشارت أيضا إلى عوامل أخرى عديدة، كان منها؛ قلة الاهتمام بنتائج البحوث العلمية من الجهات المستفيدة، وهو أمر بدون شك يؤدي الى نفور الباحثين أو على الأقل الى تقاعسهم، فالباحث قد يتخلى لسبب او لآخر عن المردود المادي والمعروف بضآلته لدينا، لكنه لن يكون بمقدوره أبدا أن يجد جهوده التي كرس نفسه لأجلها شهورا تذهب هباء دون أي صدى أو اهتمام.
ولعل من أكثر ما يثير التعجب والأسف في الوقت ذاته، أن فائض مخصصات البحث العلمي من موازنة الجامعات والمحددة وفقا للقانون والتي يفترض أن تصرف على البحث العلمي تتجاوز سنويا ما قيمته 20 مليون دينار، وقد بلغت في العام الماضي 24 مليوناً.
هذه المؤشرات ليست سوى جزءا بسيطا من عوامل متشابكة أدت جميعها إلى هذا التردي الذي يعانيه البحث العلمي لدينا، والذي وصل الى مرحلة قد تبعث أحيانا على اليأس.
ولكننا اليوم بدلا من أن نجلس ونلعن الظلام، علينا أن نفكر بطريقة عملية وجادة في كيفية الاستفادة من المخزون العلمي والخبراتي لدى أبناء الأردن المتميزين المقيمين خارجه، الذين يتمنى كثيرون منهم أن يقدموا أي منفعة للوطن، وكل ما ينقصهم يد تمتد إليهم، وتفتح الأبواب لهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى