ليس للبيع أوالمبادلة

ليس للبيع أوالمبادلة
د. هاشم غرايبه

منذ كنت في مقتبل العمر والى اليوم، عندما أسافر سواء للدراسة أو السياحة وأعود الى الأردن، في المطار أو نقطة الحدود أتنفس الصعداء، ليس بدافع الشوق للوطن، فذلك أمر طبيعي، وكل البشر يحبون أوطانهم، ويرونها الأجمل.
لكن الراحة التي أحس بها نابعة من الشعور بالأمان والإطمئنان، فعند دخول النقاط الحدودية في كل الأقطار الشقيقة المجاورة، تشعر بالتوتر والقلق، فبعضهم يطلب الأعطيات، وفي أخرى ينظر إليك رجل الأمن فيها متفحصا وكأنك مشبوه أو مطلوب، وأما الدول الأجنبية فتكون نظرته مزيجا من التعالي كونك عربيا، والترصد كونك مسلما.
لكنك في الأردن لا تحس بأي من تلك المشاعر المزعجة، فمنذ مقابلة أول رجل أمن: يقابلك وجه بشوش، واستعداد للخدمة غير مشروطة ولا ممنونة، والأهم من كل ذلك لا يقبل أعطية ولو صيغت بمسمى هدية أو إكرامية، بل يغضب إن عرضت ذلك عليه ويعتبرها، رشوة مخلة بكرم أخلاقه الفطري.
المقلق أنه يُتداول هذه الأيام أن هذه الصورة الزاهية قد تغيرت، وبررت بسوء الأحوال المعيشية، وأخشى أن ذلك صحيح، فذلك كان مبرر فساد اجهزة الأمن في مصر وسوريا والعراق، لكني آمل أن تتغلب أصالة الأردنيين وتمسكهم بالقيم العليا على جهود المفسدين الحثيثة، واستند في ذلك الى حادثة حصلت معي الأسبوع الماضي:
فقد حدث احتكاك بسيط للمركبة التي أقودها مع مركبة حاولت تجاوزي، الشاب الذي كان يقودها كان لطيفا واعتذر مني وقال إنه مستعد لتعويضي لكنه يعمل في شركة وتشترط عمل ضبط مروري، جاء الشرطي المكلف، وقام بالمعاينة مليا، وأعجبني فيه التدقيق لمعرفة على من تقع المسؤولية، فرغم أن ظروف الحادثة واضحة، إلا أن تحريه كان علميا احترافيا يدل على إخلاصه لعمله، فلم يتخذ قراره بسرعة وفسره لنا وكان مقنعا، وفوق ذلك إنسانيا، فقد قال لي إن تسجيل الضبط رسميا سيكلف الشاب مبلغا كبيرا، فهلا تنازلت عن حقك وتصالحت معه رأفة بحاله وأنت تعرف ظروف الناس الصعبة، فوافقت وشكرته على إخلاصه لواجبه وعلى حسه الإنساني.
هنالك كثير من القصص المتداولة عن نشامى الأمن العام والدفاع المدني والجيش، خلال فترة الحظر، وأزمة الوباء، وكلها تعبر عن الخلق الأصيل والشهامة، لا يتسع المجال لذكرها.
هذا هو رصيد الأردنيين الذي نعرفه، رسخه الأجداد منذ ذرية نوح وحافظ عليه الأحفاد الى اليوم، ولذلك سموا (النشامى)، وهو مسمى يطلق على الشهم ذي النخوة والمروءة، وهو ما ينعكس تقديرا وإعزازا لهم بين بعضهم، وسمعة طيبة خارج وطنهم، فأينما حلّوا، وفي أية بقعة عملوا، يجدون احتراما وإعجابا.
هذا هو كنز الأردنيين الغالي وهو ما يجدر بهم المحافظة عليه، وهو لا شك هبة من الله، لأنه قدّر في سابق علمه أنها ستكون منطلق تحرير الأقصى وفلسطين، مثلما جعل أخلاق أهل يثرب طيبة، لأنه قدّر أنهم سيؤوون نبيه الكريم وينصرونه.
المقلق أنه يجري أمام أعيننا، وبأدوات من بني وطننا، استهداف ممنهج لهذا الكنز، وعلى عدة محاور:
1 – تفريغ المناهج المدرسية من القيم الإسلامية بذريعة تطوير التعليم وزرع القيم الليبرالية بدلا منها.
2 – الإفقار المبرمج وتحميل الوطن الديون لتصبح فوق القدرة على السداد، وعندها يصبح الأفراد مجرد أفواه مستهلكة، لا يهمها غير تدبير المصروف لآخر الشهر، وفي سبيل ذلك يصبح مبررا مد اليد الى جيوب الآخرين أو المال العام، تحت شعار: .. بدنا نعيش.
3 – نشر المخدرات بشكل واسع، فقد ظل الأردن طوال العقود ممرا للمهربين فقط، لكنه في العقد الآخر تم تحويله الى سوق مستهلك لها، ومعروف أن ذلك يعود لجهود ترويجية منظمة.
4 – نشر ثقافة الحرية الجنسية بين الشباب وخاصة طلبة الجامعات، وتعريف لهم بمواد الوقاية من الحمل، وترويجها بأسعار شبه مجانية.
5 – مأسسة الفساد وتحصينه من الملاحقة، لكي يصبح قدوة، وممارسة معتادة، فيبرر المنحرف ذلك لنفسه قائلا: إن كان من هم أعلى مني فاسدا فما نفع صلاحي؟!.
قد ينكر البعض سوء النية في ذلك قائلين: لماذا يجرى ذلك التخريب في الأردن تحديدا!؟.
الإجابة: ان أعداء منهج الله الذين احتلوا فلسطين لضرب وحدة الأمة، يستهدفون الأمة كلها، لكن التركيز على الأردن لأنهم يعلمون أنه هو أرض الحشد والرباط، فمنه انطلقت جيوش صلاح الدين، ومنه أيضا ستنطلق جحافل المجاهدين لتنفيذ الوعد الثاني.
ويعلمون أن ما يقرب ذلك اليوم صلاح مجتمعه، وما يبعده إفساده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى