المُذَنَّب

المُذَنَّب

د. عبدالله البركات


بين انشغال الناس بالحياةِ
وما بها من سالف وآتي
توقف التلفاز نصف ساعة
وما درينا سبب انقطاعه
ثم اتى المذيع وهو يرتجفْ
وقال وهو عاجز عن ان يقفْ
وقال عندي أسوأ الأخبارِ
مذنب حاد عن المسارِ
وانه سيصل البلادَ
بعد شهور خمسة ان زادَ

وانشغل الناس ثلاث بالخبرْ
لكنْ أمور العيش ما منها مفرْ
فقرروا العودة للحياةِ
ويكثروا التفكير في المماتِ
وان يزكوا النفس من أحقادها
لعلها تفوز في معادها

مقالات ذات صلة

وألان هيا نمسح المكانَ
لكي نرى التغيير كيف كانَ
هنا نرى العمة عند الكنهْ
آمنة والنفس مطمئنةْ
وقبلت كنتها اليدينِ
طالبت من زوجها أمرينِ
أن لا يوافق ان تعود أمهْ
لبيتها القديم حيث الغمةْ
ويجعلنْ خدمتها مشتركةْ
بينهما لكي تحل البركةْ
فوافق الزوج بلا جدالِ
وقال سمعا يا ابنة الحلالِ
أضاف “هذي ساعة مباركةْ
وكل بر هو في المشاركةْ”


فلنترك المشهد للزمانِ
وأتوا معي ننظر ظرفا ثاني
هذا المكان ضم ضرتين
ومن يرى ظنهما أختين
قد فَلَّت الضرة شعر الضرةْ
حاذرةً سقوطَ أي شعرةْ
فشعرها (سبحانه) ما اروحهْ
ومتعة الضرة ان تسرحهْ
أما وقد حان أوان الموردِ
للماء قالت أختها فلتقعدي
وحلفتْ لتملان الجرةْ
فملؤها يكسبها مسرةْ
وكيف لا تحملها عن حاملِ
والأجر فيه بينٌ للعاقلِ
ولا اعتبار هاهنا للدورِ
فليس في التكرار أي جور


هيا بنا نذهبُ نحو السوقِ
أجاركم ربي من الفسوقِ-
هنا ترى الدائنُ للمدينِ
يقول ليس من ربا في الدِينِ
فكيف تبغي ان أنالَ درهما
بغير حق باطلا محرما
وقال لا… ما لي بمالي حاجة
يحزنني ما فيك من لجاجةْ
وسِّعْ على العيال يا صديقي
ما المال إلا وسخ الطريقِ
وان من رابى فليس منا
لن يدخل الجنة لو تمنى


وقال جار طيب لجارِ
اغفر لنا ما كان من إنذاري
لا تنهر الأطفال عن قطف العنبْ
دعهم فلا اسعد عندي أو أحب
ولا تسل قط عن الوزيرِ
فهو خدوم جاء للتيسيرِ
ولا يمد يده للمالِ
يقول لا ابغي سوى الحلالِ
أما أبو يوسف بياع اللبنْ
فصار يوفي الناس كالَ أو وزنْ
وعمت الخيرات كل المدنِ
فالكل فوق حاجة لا يقتني
وهكذا صار الجميع مؤتمنْ
وكلهم يخشى الذي بعد الكفنْ


فكان شهرا واحدا لا أجملُ
الكل فيها كامل مكملُ
وجاء يوم اسود لم ينتظرْ
إذ أعلن التلفاز ان زال الخطرْ
فلم يكن هناك من مذنبِ
بل كان ذاك الشيء ظل كوكبِ


هيا بنا نعود للمكان
لكي نرى المشهد في ثواني
فاسمع أخي لما تقول الكنةْ
لزوجها برقصة ورنةْ
قالت متى تعود هذي الكهلةْ
لبيتها ولا أطيق مهلةْ
ان كان في بقائها من خيرِ
فقد أصبنا منه قبل الغيرِ
وصرخت بأذن زوج مرتهن
عَجِّل بها لبيتها من قبل أنْ…
فأنت لست ابنها الوحيدَ
فدع أخاك علَّ يستفيدَ
لا ينبغي حرمانه من الأجر
حتى ولو جُرتْ إليه الأم جرْ
وليس عندي الوقت يا ابن عمي
أني غداً ذاهبة لامي
مسكينة لم أرها منذ زمنْ
ومن يعق أمه فلم ولنْ…


أما الذي صار ببيت الضرةْ
فليس في حسبانكم بالمرةْ
أراقت الضرة كل الماءِ
وأقبلت كالحُمة الصفراءِ
مملوءة بالغل والأحقاد
وصوتها ملعلعٌ ينادي
تقول يا عيني على الحواملْ
يحسبنني خادمة المنازلْ
لا تحسبي يا مصدر المصائبْ
خدعتني بزعم حمل كاذبْ
وردحت ردحا كثيرا مبتذلْ
وكفَّرت بردحها عما حصلْ
من لطفها خلال تلك المدةْ
كأنها له أعدت عُدةْ
بل همت الخانم ان تضرها
واقبلت تجرهها من شعرها
قائلةً عدمت تلك الكشة
منفوشةً كأنها مقشة


ونظرة واحدة في السوقِ
تنبئك عما فيه من فسوقِ
قد جذب الدائن ثوب الغارمِ
وقال يا هذا اعد دراهمي
فقد مزحتُ حين قلتُ – يا غبي-=
ان ليس لي في المال أي مأرب
فالمال عندي عصب الحياةِ
وهو طريق الفوز والنجاةِ
اعد وزد على الثماني أربعة
وليس عندي الوقت كي أضيعه
ويصرخ المسكين أمهلني غدا
لكن صوت مثله بلا صدى
فجره بثوبه للمحكمةْ
ونهد القاضي له فحكمهْ
فانصاع للأمر و بئس الانصياعْ
وترك المسكين أطفالا جياعْ


ولا تسل قط عن الوزيرِ
فهو رسول الكبر والتعسيرِ
أما أبو يوسف بياع اللبنْ
فعادللتطفيف كالَ او وزنْ
ورجع الناس سريعا للطمعْ
وكل ما مروا به قد انقشعْ


يا ناس هذي محنة وتجربة
فالموت- حتى لو نأى- ما أقربه
د. عبدالله عامر البركات

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى