.مطحنة “شرايط”

[review]الاحد 16-8-2009.لم يكن لها موسما محددا،أو مقرا ثابتا، أو لونا واضحا..وان كانت المرة الأخيرة التي شاهدتها كانت في بداية الخريف قبل ربع قرن تقريبا..كنا نلمح نساء كادحات يحملن فوق رؤوسهن البقج المترهلة و العقاقيد – جمع عقاد – المنتفخة كمؤخرة حلواني قديم..وينزلن بها من جهة السوق والحارات الأفقية الى تلك الساحة الترابية الواسعة بين مقبرتين..فجأة ينتشر الخبر بين الناس ان مطحنة الشرايط وصلت، متى وصلت لا أحد يعلم، ماكنة يملكها رجل اعور قليل الكلام، يسند ظهره الى قبر في وقت استراحته، ويتفيأ بشاهد قبر رجل ميسور..الى حين قدوم الأمهات المدبرات اللاتي يصنعن من العدم حياة، أو الى حين انتهائهن من جردة حساب الفصول من الخزائن الحديدية و العلاقات المثقلة بكل قديم، أو لحين فروغهن من تجريد القطع القديمة من السحابات و الأبازيم لاعادة استخدامهن مرة ثانية وثالثة ورابعة وهذا ما كان يعرف بإعادة تدوير المدور ..كانت المرة الأولى التي أشاهد بها تلك الآلة الثرثارة، فهي تشبه الى حد بعيد جاروشة القمح لها قمع معدني يبتلع كل أصناف الأقمشة بألوانها المختلفة فيقطعها الى فتات..ثم يملأها ذلك الأعور الصامت بذات العقاد ، ويرفعها الى رأس صاحبة البضاعة المدورة، ليتم حشو فرشة او تنجيد لحاف من هذا الخليط المطحون ..بناطيل وقورة، ستر فوتيك، ربطات عنق طويلة جدا، وموديلات بائدة، تنورات مختومة بالورود، نصف قطر الوردة الواحدة 40سم..قطع ملابس كان لها عزها ذات يوم.. حضرت أعراسا وشاركت في جاهات، سافرت الى أماكن بعيدة وعادت الى مقرها..الآن تسقط في فم المطحنة دون ان يشفع لها تاريخها …ما كان يزعجني أن تلك الآلة الشرهة لم تكن تميز بين الألوان..فقد كانت تفرم الأخضر والأحمر والأصفر وألأسود وتخرجه هكذا مزيجا بلا لون…خيوط لا اصل لها..تنتظر مهمتها في حشو وسائد جديدة او اشباع فرشة رقيقة…أحيانا كانت تتطاير بعض الأزرار والكبسات من فم مطحنة ، نلتقطها نحن الصغار نخبئها في جيوبنا على أنها لقية ..نحتفظ بها فترة من الزمن .ثم ننساها..لم نكن ندري ان الجيوب ستطحن بعد عام أو عامين أو عشرة بأزرارها ايضا…فجأة كانت ترحل تلك المطحنة من مكانها دون سابق انذار..فتعود النساء القاطنات بأطراف المدينة بالبقج الى بيوتهن بخيبة صغيرة دون انجاز المهمة، يمررن بين القبور الشاهدة على القدوم والرحيل ..وفي المكان بقايا خيوط وقطع صغيرة وأعقاب سجائر مطفأة كان يغرزها ذلك الأعور الصامت في التراب..***أحيانا اشعر ان بعض المحللين مطحنة شرايط …يجترون ما يقال ، يطحنون الألوان السياسية والأفكار الرائجة والتوجهات السائدة مع قمصان النفاق و المزاودة .. ليحشو وسادة الكلام بمادة لا لون لها.ahmedalzoubi@hotmail.comأحمد حسن الزعبي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى