مواعيدنا المؤجّلة / كامل نصيرات

مواعيدنا المؤجّلة
نحن أمّة لا نتقن الوقت ..ولا نشعر به ..لذا ؛ كلنا لا نعترف بتقدم العمر إلا حينما تداهمنا الشيخوخة فجأة ..و حينما نرى الشيب قد فعل الأفاعيل ليس بشعر رأسنا فقط ؛ بل بشعر صدرنا وأيدينا ..وحينما نرى أيضاً تجاعيد الوجع العمري قد تربّعت على تضاريس وجوهنا التي كنّا نتفاخر بها قبل قليل.
أكثر من مرّة حدثتكم عن المواعيد ..وكيف نقفز عن الانجازات و نؤخرها إلى ما بعد العطل و المناسبات ..فكم من مرّة تريد أن تأخذ موعداً لعمل أو لانجاز مهمة مستعجلة ويكون يوم الكلام هو الثلاثاء مثلاً ..يجيبك الطرف الآخر : الأربعاء يجوز عندي شغلة ؛ و الخميس نص دوام ؛ والجمعة و السبت..معناتو راحت للأحد ..!! نعم راحت ..ويروح معها خمسة أيام هكذا ؛ خمسة على خمسة أيام وإذا بالعمر يروح بلا إنجاز ولا فضيلة ..!
منذ أيّام وأنا أسمع ضرب مواعيد كثيرة لبعد رمضان ..وتكررت كلمة (رمضان off ) ..من الآن نؤجل إلى هناك ..أكثر من شهرين لتأخير جلسة ما ..أو بداية مشروع ما ..لأننا لا نحسب العمر الذي نعيشه مرّة واحدة ؛ بل نحن أمّة تميل إلى الكسل و المطمطة ..وكما تقول النكتة : نريد نجاحاً في التوجيهي و نحن لا نقرأ ..ونريد عملاً لا عمل فيه ..!
لن أسألكم ككل مرّة من صنع الكسل لنا ..ومن فخّخ عمرنا بالتأجيل ؟ ولن ألطم حظّ أمتنا مع أبنائها ..ولن أحدثكم عن أحلامنا بالانتصار المجاني ..ولن أتفلسف على أهاليكم بقيمة الوقت وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك ..لأنه قطعنا مليون مرّة حتى انثلم السيف و غادرنا وصار بأيدي أعدائنا يلعب لعبته معهم علينا ..!
ليس هناك من مؤامرة حقيقيّة علينا إلا نحن ..وليس من عدوّ لنا إلا ذواتنا ..فنحن من يفرّط بالوقت ..ونحن من يؤجّل كل شيء إلى لا شيء بلا سبب ؛ فقط لأنّ جيناتنا تتباهى بالعنتريات ..والعنتريات ليست بحاجة إلى ساحاتٍ و ميدان ..بل كل ما تحتاجه هو فنجان قهوة و سيجارة و مايكروفون و يبدأ شغلنا الحقيقي في (طق الحنك ) المهنة الوحيدة التي نتقنها ونتقن معها الانتحار بالوقت البطيء..!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى