تساؤلات على هامش ملف البترول الطاقة

تساؤلات على هامش ملف البترول الطاقة
أ. د أحمد العجلوني
أكاديمي وخبير اقتصادي

ما زالت جذوة الجدال مشتعلة حول وجود البترول في الأردن من عدمه. وتعتبر قضية الطاقة من أكثر القضايا التي تحتل الصدارة في النقاشات في بلد يستورد 96% من احتياجاته من الطاقة. ويرتبط كل من الغاز والكهرباء بالحديث عن البترول لأن ملف الطاقة في الأردن يدار من نفس “الشبكة” التي وقع فيها الأردن وتورّط منذ عقدين من الزمن.
على الرغم من جهود الحكومات السابقة في آخر عقدين من القرن الماضي في محاولات استخراج النفط من خلال سلطة المصادر الطبيعية (المأسوف على شبابها!) أو الشركات الأجنبية، والخروج بنتيجة مؤداها عدم وجود النفط بكميات مقبولة (مع التحفظ على هذه النتيجة)، ومحاولات الحكومة تبرير وجهة نظرها بعدم وجود النفط مطلقاً في الأردن، كما عبّرت عن ذلك وزيرة الطاقة مؤخراً؛ فإن مجرد تصريح من أحد المتخصصين يقلب رواية الحكومة رأساً على عقب أمام الرأي العام الذي يقتنع بدرجة كبيرة بوجود النفط بما يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية بالحد الأدنى.
من الطبيعي أن يتأثر الرأي العام بقضية الطاقة بشكل كبير لا سيّما وأنه يكتوي بنارها ليلاً ونهاراً؛ صيفاً وشتاءً. كما تغيب الثقة عما يصدر عن الجهات الحكومية فيما يتعلق بملف الطاقة (كما هي الحال مع باقي القضايا)، وهذا ما برز بشكل كبير في حالتي الصفقة المشينة المهينة وطنياً وغير المجدية اقتصادياً باستيراد الغاز -المنهوب من فلسطين- من الأعداء الصهاينة وملف تسعير المشتقات النفطية ودهاليزها التي لا تخفى على شعب واع مدرك. وسيبقى تكذيب الروايات الحكومية شعبياً قائماً ما استمر غياب الرأي العلمي المحايد الحاسم الذي يعتد به من جهة محايدة مثل الجمعية العلمية الملكية أو مراكز البحث المتخصص في الجامعات أو الدراسات العلمية المحكّمة.
ومهما كان الشخص محايداً؛ فإنه لا يستطيع أن يغفل أسئلة تلّح عليه، تتلخص تحت عنوان كبير وهو: “هل هناك قرار مسبق بعدم وجود نفط في الأردن ؟!” . إن هذه الأسئلة التي ما زالت غير محسومة الإجابة تعمّق من انخفاض مستويات الثقة في رواية الحكومية إلى أسفل طبقات الوعي في عقل المواطن الأردني، ولا تجدي كل “حفّارات” الرواية الرسمية لاستخراج هذا الشك أو تنقية الأجواء من دخانه المتصاعد. ومن أهم هذه التساؤلات:
– لماذا تؤكد وزيرة الطاقة –وبشكل حاسم- عدم وجود النفط في الأردن؟ علماً بأنه لم يتم الاستكشاف إلا في أجزاء من 20% من مساحة الأردن (أي أن الاستكشاف تم ضمن ال 20% ولم يغطيها كلها)!
– لمصلحة من تم تفكيك سلطة المصادر الطبيعية وتشتيت كوادرها وإضاعة خبراتها التي تراكمت منذ عام 1968 وكلّفت البلد عشرات الملايين، بعد أن كانت تمثل جهة محترفة كفؤة متخصصة بالنفط والغاز والمعادن؟ إذ تم إعادة هيكلة مهامها وتوزيعها بين وزارة وهيئة وشركة، وبفعالية أقل. أليس ذلك تشتيتاً مدبّراً بليل لإضاعة ملف الطاقة وضياع كنوز معلوماته وزيادة عدد المتنفعين من المناصب الجديدة؟
– هل قام أحد من المسؤولين (أو أحد النواب) بالاستفسار عن عدم استغلال الاحتياطي من الغاز وانخفاض الكمية المستخرجة؟ فقد ورد في التقرير السنوي لشركة البترول الوطنية (صاحبة الامتياز لتطوير حقل غاز الريشة) أنه في عام 2007 كان هناك احتياطي غاز بمقدار 443 مليار قدم مكعب في حين أن الإنتاج اليومي لا يتجاوز 9.7 مليون قدم يومياً، مع أنه كان يناهز 35 مليون قدم يومياً عام 2003! والسبب لتبرير ذلك هو عدم وجود سيولة؛ ودخول شراكات استراتيجية! (والكلام لمدير شركة البترول الوطنية)
– من يجيب الناس عن سبب الانخفاض المفاجئ لمقدار ما ينتجه حقل حمزة إلى 20 برميل فقط، مع أنه كان ينتج عند بداية اكتشافه في العام 1985 ما بين 2000 -2500 برميل يومياً؟!!
يضاف إلى ما سبق سؤالين يتعلقان بالجانب الاقتصادي من الملف، وهما:
– أليس من الغريب أن تقوم وزارة تهتم بإدارة الموارد من النفط والمعادن بمهمة اقتصادية بعيدة عن تخصصها تتعلق بقرارات اقتصادية خاصة بتسعير المشتقات البترولية؟!
– لماذا تم إهمال الاقتراحات المتتالية بداية أزمة الكورونا بشراء النفط بالعقود المستقبلية بالأسعار المغرية جداً وقتها؟ مع أن هذا كان سيحقق انخفاضاً ملحوظاً ومستقراً في تكلفة الطاقة على المواطنين ولعدة سنوات.
إن الفوضى الحاصلة في ملف الطاقة والتقصير المتعمد في الاستفادة مما في باطن الأرض من بترول وغاز أو التلاعب في الجانب الاقتصادي منه ليس له غاية سوى إبقاء الطريق ممهداً لكي يبقى انسياب المليارات “طبيعياً” وميسراً إلى حسابات أعضاء “الشبكة” من الشركات والأشخاص الذين يستفيدون من الوضع الحالي المتمثل بالاستيراد بشكل شبه كامل. وفيه خدمة للاتفاقية المشؤومة باستيراد الغاز من العدو الصهيوني المحتل وخلق تبرير اقتصادي لها.
إن مشكلة الأردن لا تتمثل بندرة الموارد، وليست المشكلة باستيراد النفط أو استخراجه محلياً لأن هذه القضية تحكمها الجدوى الاقتصادية بالدرجة الأولى. إن مشكلة الأردن المزمنة هي في انخفاض مستوى الأمانة وسوء إدارة الموارد ابتداء من الموارد البشرية وليس انتهاءً بالنفط والغاز. ولن نمل من الصدع بأعلى صوت بأن مشكلة الأردن تكمن في شبكة الفساد ومؤسسته التي تجذّرت في كل مناحي الحياة وأكلت الأخضر واليابس. وحتى لو كان عندنا نفط الخليج كله فلن يكفي لملء “الثقب الأسود” الذي امتص المليارات من دماء هذا الشعب وعرق أبنائه. وبالتالي فإن الأولوية الوطنية الأولى والأساسية هي التعافي من سرطان الفساد وعلاجه جذرياً وبكل مستوياته، عندها فقط ستحل مشاكل الأردن مع الطاقة وغيرها.

حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى