هل ننتحر …!

هل ننتحر …!
عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

صدمنا جميعاً بداية الشهر الحالي بوقوع 3 حالات إنتحار في أقل من 48 ساعة في مصر، وتزامن حالات أخرى معها في لبنان والمغرب، ففي مصر صدم الرأي العام بقفز شاب من فوق برج القاهرة، وآخر رمى نفسه أمام عجلات قطار، وثالث ألقى بنفسه في قناة للري، وفي لبنان رجل يخنق نفسه بحبل بسبب ديونه المتراكمة، وفتاة مغربية تتناول سم الفئران، كل هذه الأحداث ومثيلاتها يضاف إليها ما أعلنته منظمة الصحة العالمية مؤخراً عن وجود حالة إنتحار كل 40 ثانية في العالم ووصول عدد حالات الإنتحار السنوية إلى 800 ألف جديرة بأن تدق ناقوس الخطر حولنا.

فمن المؤكد أن الإنتحار ظاهرة عالمية، تحتل فيها ليتوانيا وليسوتو وأوغندا وسريلانكا وكوريا الجنوبية والهند واليابان وحتى الولايات المتحدة مراتب متقدمة، ومع أن البلدان العربية تأتي في قائمة الدول الأقل نسبة إلا أن الأمر أصبح كثير التداول في السنوات الأخيرة في البلدان العربية، وبشكل يكشف عن وجود مشكلة بصدد التزايد في مجتمعاتنا.

ستجد من ينتحر قد وصل لحالة نفسية لا يتقبل فيها شيئاً من أحد، ولا حتى ربما من نفسه ولو كانت حتى السؤال لماذا أنتحر؟ ونجد الأسباب تختلف ما بين الهرب من الديون، أو الفضيحة، أو الفشل، أو المرض، أو الفقر أو الحروب أو غيرها من الأسباب المتراكمة، ولنجيب على سؤال هل ننتحر؟ علينا أن نتذكر أحد أهم أسباب التفكير في الإنتحار وهو كثرة التذمر وعدم القناعة وهو المنتشر بكثرة في مجتمعاتنا بكل أسف، فتجد من يشكو الغلاء وغيره الفساد ومن يتذمر من الحياة بسبب عقوق الأولاد، أو من مشاكل الزوجة أو الزوج، أو من يشكو الظلم أو الفقر أو من يلعن حياته بسبب تراجع مكانة الدول العربية بين دول العالم، وآخر يرغب بتدمير الحياة بسبب إنتشار الإنحلال الأخلاقي من حوله وآخر لا يطيق حياته بسبب شعوره بعدم النجاح والفشل المتكرر لتسمع في كثير الأحيان جملة “ليتني أموت وأرتاح” تتكرر للأسف !

والسؤال هنا: هل بالفعل من يموت سيرتاح ؟ أم أن الأمر لا يتعدى في حقيقته أكثر من رغبة بالهروب من الواقع الذين نعيشه إلى واقع لا نعرف كيف سيكون ولا كيف سنكون فيه !

قبل أن نعلن هزيمتنا بهذه الطريقة علينا أن نتذكر أن خالقنا ميزنا عن جميع المخلوقات بميزة العقل لإستخدامه فيما فيه النفع والخير لنا ولمن حولنا، ثم أن إنهزامنا وإنتحارنا لن يغير حياتنا ولا حياة من حولنا للأفضل، بل على العكس سيغادر بنا هذه الحياة ويحيل حياة من يعيشون معنا دماراً، فبدلاً من أن نسأل أنفسنا هل ننتحر ليكون السؤال هل ننهزم ؟ فعندما تصبح الصورة سوداء قاتمة من حولك حاول أن تضئ شمعة داخل قلبك لعلها تعطيك شيئاً من الأمل عندما تحتاجه، ثم أن إنطفاء هذه الشمعة بعض الأوقات لا يعني عدم القدرة على إشعالها مجدداً فلطالما كانت أكبر النجاحات نتيجة لحظات شعور بالعجز وعدم النجاح.

لا تفقد الأمل في حياتك، بل كن أنت الأمل لنفسك ولمن حولك، فالحياة ليست خطاً مستوياً وفيها من المنعرجات والتحديات الكثير، فتجد بعض من يملك الصحة يتمنى المال وبعض من عنده المال يتمنى الولد ومن نجح في أمور كثيرة يتمنى لو يتركها جميعاً وينجح في أمر آخر غيرها وهكذا، لتكون الحياة في حقيقتها لوحة كلمات متقاطعة يملأ كل منا مربع فيها بحصوله على نعم كثيرة مقابل أخرى حرم منها ولا يمكن أن تجد فيها من يحصل على كل شئ، ولذلك يبقى من المهم أن تحافظ فيها على نفسك، على قلبك، وعلى عقلك، لتكون أنت دائماً شعلة تحدي لأي شعور بالعجز وعدم النجاح، ولتبقى لديك القدرة على تحويل العجز إلى إنجاز والألم إلى أمل والسواد إلى لوحة فنية مليئة بألوان الحياة، عليك أن تعيش لأنك تريد العيش، لأنك تريد أن تكون سعيداً لإسعاد نفسك، ولأنك تريد أن تحافظ على إيجابيتك لتبقى مرتاحاً في حياتك.

هل ننتحر …! سطور إخترناها ختاماً لمقالاتنا في العام 2019 متمنين أن يكون القادم فيه من الخير والبركة على الجميع، لعل هذه السطور تكون شعلة في مصباح نور لأمل جديد لكل من يمر عليها.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى