بسام بدارين يكتب ..«الرؤية» الأردنية: «قيود تنفيذ» وأزمة «تمويل» والحكاية «فلوس»

#سواليف

تمكن المراقبون ببساطة الأسبوع الماضي وعند إشهار وثيقة #الرؤية #الاقتصادية الجديدة من رصد الوقائع التي تقول بأن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة قد يكون الوحيد الذي تحدث فعلاً عن الرؤية الاقتصادية بإطارها المرجعي، ملتزماً بها علناً باسم حكومته دون بقية الذين تقدموا بمداخلات مصورة.

خمسة متحدثين رئيسيين في النشاط الرئيسي لفعالية إشهار الرؤية، هم أربعة من المختصين ورجال الأعمال، إلى جانب رئيس الحكومة. أحدهم شرب كأس مياه مخلوطة بسماد جديد، فأثار الانتباه.. آخر تحدث عن تصورات لاستثمارات تخص القطاع الذي يمثله، وثالث عزف على وتر السوق الواعد في مجال #الإلكترونيات، ورابع اتجه نحو نفس المربع عملياً، فيما تحدث الخصاونة فقط عن الرؤية الاقتصادية في المضمون والمحتوى والشكل الإجرائي.

ملاحظات

تلك قد تبقى ملاحظة عابرة في كل حال، لكن الأهم سياسياً وإعلامياً هو الانطباع بأن الرؤية الجديدة غير ممولة ولا تحتوي على #تمويل ولا تتحدث عن #مشاريع محددة قادمة في الطريق، الأمر الذي يدفع أي حكومة لاحقاً مادامت وثيقة الرؤية عابرة للحكومات للوقوف عند حطة الاستفسار عن وجود إمكانات حقيقية في الاقتصاد قبل تحريرها، وعن وجود #صناديق #تمويل واستثمار تدعم #المشاريع التي تطمح بها الرؤية الاقتصادية.
وصف الخبير الاقتصادي والبرلماني والوزير السابق عدة مرات، الدكتور محمد الحلايقة، أمام «القدس العربي» وثيقة الرؤيا بأنها طموحة. وطالب 3 مرات على الأقل وعبر «القدس العربي» الدكتور أنور الخفش، بإيجاد وتوفير الإمكانات الاقتصادية أولاً قبل التحدث عن تحريرها.
وراء الكواليس انشغل بعض المشاركين في ورشة العمل التي نتجت عنها وثيقة الرؤية، بالتدقيق في تفاصيل النصوص التي اعتمدت، وبرصد الملاحظات عما قيل وتقرر من توصيات قطاعية، ولم يرد في الوثيقة الأم أو في الوثيقة الأساسية دون أن يتطرق له المعنيون في العصف الذهني.
الملاحظات بالجملة في هذا السياق، وبعضها بدأ يصل للجهات المنظمة. لكن الحكومة مع #غياب_التمويل وتسمية مشاريع محددة ومع مشكلاتها في الخزينة أصلاً، تبدو مقيدة في الإجراء وفي المساحة المختصة بإمكانية تقديم خدمات إجرائية بصفة «الممتازة» للأهداف النبيلة التي وردت في وثيقة الرؤية الاقتصادية. وحدها عملياً الجبهة الوزارية والحكومية هي التي تحاول إعادة طرح وتقديم وثيقة رؤية بلياقة، والعمل على تحويلها من مجرد عرائض تخص مستثمرين يواجهون مشكلات ويطمحون بتجاوز العقبات إلى وثيقة أكثر عمقاً وطنية وأفقية التذكير، فيها الكثير من الطموحات الممكنة، لكن أي إجراءات تنفيذية على الأرجح تصطدم بعناصر التمويل، ووزير المالية النشط الدكتور محمد العسعس وهو يحتفل بإنجازات المصداقية التي تأسست بين بلاده والمؤسسات الدورية المانحة مهتم بواجبه المهني والوطني الأساسي، وهو العمل على توفير السيولة لضمان تدفق الرواتب والخدمات العامة.
الحكومة بدأت تتخلى عن سياسة إنكار وجود أولوية اسمها السيولة النقدية، وذلك في علم #خبراء #الاقتصاد يعني بأن الحكومة لا يوجد لديها مال اليوم لتمويل تلك المشروعات الجميلة والأفكار النبيلة التي وردت في وثيقة الرؤية الاقتصادية، والمطلوب منها أن تعبر حكومات المستقبل، وهي أصلاً مسألة كان سياسيون كبار قد وقفوا عندها مثل الدكتور ممدوح العبادي، الذي استفسر عن كيفية عبور أي نص من حكومة حزبية منتخبة مستقبلاً.
الحديث عن عدم وجود تمويل لا ينتقص من قيمة الرؤية الاقتصادية، فهي موجودة ومتاحة اليوم كخريطة طريق أو منهجية إيجابية، على حد تعبير عضو مجلس الأعيان خالد البكار، لكن كثرة الحديث لا تعني شيئاً في الواقع الموضوعي، وأزمة السيولة بدأت الحكومة تمارس الشفافية علناً وهي تصارح الرأي العام بخصوصها. أحد كبار رجال الأعمال قال لـ«القدس العربي»: «الحكاية مش مشاريع وأفكار بل حكاية تدبير فلوس».

استعراض

فوق ذلك، لا أحد يعلم بعد إجابة على السؤال التالي: كيف يمكن فعلاً تحرير الإمكانات الاقتصادية دون تحرير العقيدة البيروقراطية من قيود الحريات العامة، أو دون استقلال حقيقي بين السلطات وانتخابات نزيهة، أو دون إصلاح سياسي جذري وعميق؟
هذا سؤال يعلم الجميع صعوبة الإجابة عليه، ومن خططوا للرؤية الاقتصادية أو شاركوا بعصفها الذهني قرروا ترك مثل هذا السؤال وامتنعوا عن الإشارة للجواب عليه بصيغة يعتقد أنها أضعفت وثيقة الرؤية الاقتصادية وسط الجمهور، لأنها وبرأي الحلايقة وآخرين، تماماً مثل وثيقة تحديث المنظومة السياسية؛ ستكون أقوى بوجود حاضنة اجتماعية.
إجرائياً، أظهرت الوزارة حسن نواياها، وتبدو مرنة جداً في التعاطي مع الرؤية والاشتباك مع التفاصيل.
لكن الاستعراض بشرب كأس مياه مخلوط بالسماد ثم بالتحدث عن مشاريع بنية تحتية كبرى مرهونة بتحالفات سياسية وثمنها مرتفع أو تقديم عرض عن طموحات في مشاريع إلكترونية واعدة، كلها عناصر طيبة وإيجابية في المشهد. لكنها ليست عناصر مفصلية في التأسيس لرؤية اقتصادية حقيقية، خصوصاً بعد أخطاء بالجملة بالتنظيم والتجهيز وانتقاء المتحاورين والترجمة والوثائق، لا بل في تنفيذ التوجيه المرجعي أيضاً عندما تعلق الأمر «بالطريق السريع».
وفي جميع الأحوال، الإسناد المرجعي للرؤية الاقتصادية والآمال التي ترسمها ورقة رابحة إذا ما أحسنت الحكومة من جهتها التصرف، مع أن الانطباع الأولي يشير إلى أن الطاقم الوزاري بتركيبته الحالية قد لا يكون الأنسب لخوض غمار الرؤية الجديدة تحت عنوان الاشتباك الإيجابي، مع أن من يقولون ذلك اليوم لا يقوله جميعهم إطلاقاً من دوافع ونوايا سليمة لإنجاز الرؤية بقدر ما يشير في بعض التفصيلات إلى محاولات الضغط على الوزارة الحالية فقط.
ومن هنا، يصبح في الخلاصة حسن التنفيذ لما يمكن تنفيذه إجرائياً من وثيقة الرؤية الاقتصادية مرتبطاً بقرار وبغطاء سياسي مع إرادة عنوانها إلزام جميع مراكز القوى في إدارة الدولة والطاقم الذي يدير العرض استشارياً وتشريعياً وتنفيذياً بالعمل معاً فعلاً ونبذ الأجندات والخلافات الشخصانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى