كشف الزيف

#كشف_الزيف
د. #هاشم_غرايبه
نجحت #الاستثمارات #الرأسمالية الغربية بتمرير أكبر خدعة طبية لتسويق منتجات أدخلتها في عقل #المستهلك، وسخّرت بعض المؤسسات العلمية، لإسباغ المصداقية العلمية عليها، وهي شيطنة الدهون الحيوانية المشبعة ووضعها متهما رئيسيا، وأحيانا وحيدا في ارتفاع معدلات السمنة وأمراض القلب ومرض السكري، بهدف الترويج للبديل وهو زيت الذرة، على أساس أنه يرفع من نسبة “الكوليسترول الجيد” في الجسم، ويخفض من نسبة “الكوليسترول السيئ”، وبالتالي يقلِّل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسمنة، لجعله خيارا بديلا للدهن الحيواني.
بدأت القصة عندما انتجت شركة مطاحن أمريكية زيت الذرة عام 1899، وجاء كبديل رخيص للزبده الحيوانية الغالية الثمن، والتي لا يمكن تخزينها لمدة طويلة، حيث أن الغرب لم يكن توصل الى ما عرفه أجدادنا من حفظها بتحويلها الى السمن البلدي، الذي يحفظ بلا تبريد لفترة طويلة، كما أن زيت الزيتون غالي الثمن لأنه لا تنتجه الا منطقة حوض المتوسط.
ولتسويق هذا المنتج، جرى تم تخويف الناس من السمن الحيواني وزيت الزيتون بتصويرهما أنهما مسؤولان عن أمراض القلب والسكري.
وفي عام 1911 تم اكتشاف (هدرجة ) الزيت، أي تحويله الى (سمن) بقوام يشبه قوام الدهون المشبعة، وانتشر بسرعة في العالم من غير التنبه الى خطورة هذه المادة الجديدة، والتي ثبت أنها ترفع من نسبة #الكوليسترول السيئ والدهون الثلاثية في الدم، وتُقلِّل من نسبة الكوليسترول الجيد، بالإضافة إلى أنها ترفع من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي، والقولون، والسمنة، ومع ذلك أخرست الآلة الرأسمالية الطاحنة الأصوات العلمية مائة عام، فلم تجرؤ على التنبيه لذلك إلا عندما أصدرت منظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) توجيها خجولا عام 2015 بأن الدهون المهدرجة غير آمنة للاستهلاك الآدمي ولا بد من منعها، ومع ذلك لم تمنع، وما زالت الأسواق عامرة بها.
الدهون أصلا ليست مادة ضارة، الضرر يحدث عند زيادتها عن الحد المطلوب للجسم، فهي من العناصر الغذائية الأساسية في تكوين الإنسان، مثلها مثل البروتين والكربوهيدرات والفيتامينات، فهي تعمل كعازل لوقاية الجسم من التغيرات الحرارية الخارجية، ومصدر غني بالطاقة، وتدخل في كثير من العمليات الحيوية، وفي تصنيع الهرمونات والإنزيمات والنواقل العصبية.
تتكوَّن الدهون من سلاسل تُسمى “الأحماض الدهنية”، ومنها تتكون الدهون الثلاثية (Triglycerides)، وهذه توجد بصورة دهون مشبعة، وهي التي تجدها في الحالة الصلبة، مثل الزبد والدهن الحيواني، ودهون “غير مشبعة”، وتوجد في حالة سائلة أي على هيئة زيوت.
الدهون غير المشبعة نوعان: أحادية كزيت الزيتون وهذه لا يمكن هدرجتها، ومتعددة كباقي الزيوت المتوفرة ويمكن هدرجتها.
يكتب على عبوات زيت الذرة عبارة (خالي من الكوليسترول)، وهي عبارة مضللة، فالكوليسترول ليس مادة ضارة بل هو المركب الذي تكون عليه الدهون في الدم، ويصنعه جسم الإنسان.
ضرره من زيادة نسبته في الدم، والذي هو بسبب الإكثار من تناول اللحوم الحمراء والدهون الحيوانية والبيض. يُتعَامل مع الدهون التي نتناولها مع الطعام من خلال مجموعة من النواقل المسؤولة عن توصيل الدهون الثلاثية والكوليسترول من وإلى الخلايا، وهذه النواقل تحديدا هي المسؤولة عن عملية تصلُّب الشرايين إن لم تعمل بالشكل الأمثل.
تتكوَّن هذه النواقل من جزيئات تحتوي على البروتين والدهون معا، لذلك تُسمى البروتينات الدهنية، ولها عدة أنواع يُهمنا منها هنا البروتين الدهني “عالي الكثافة” (HDL)، والبروتين الدهني “منخفض الكثافة” (LDL) يؤدي هذان الناقلان وظيفتين متعاكستين، إذ يقوم البروتين منخفض الكثافة بتوصيل الكوليسترول إلى الخلايا، لذا يُسمَّى بالكوليسترول السيئ، بينما يعمل البروتين عالي الكثافة على جمع الكوليسترول الفائض من الخلايا وتوصيله إلى الكبد لإخراجه من الجسم فيما بعد، ويطلق عليه الكوليسترول الجيد.
أحدث الدراسات عن اسباب تصلب الشرايين أنها تعزى الى حمض “اللينوليك” الموجود في الزيوت النباتية، والذي يعمل على أكسدة الدهون فلا يتعرف عليها الكبد، فتهاجمها الخلايا الأكولة في الدم وتنتج مادة رغوية تترسب على جدران الأوعية الدموية، المفاجيء أن الدهون الحيوانية لا يوجد بها هذا الحمض.
وذلك يفسر تزايد الإصابة بالجلطات بشكل هائل في القرن العشرين بعد دخول الزيوت النباتية بشكل أساسي في كل مكونات الطعام.
” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” [الروم:41].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى