سيمفونية الملاعق بالجميد البلدي / يوسف غيشان

سيمفونية الملاعق بالجميد البلدي

شاءت الصدف أن يحل عبد الخالق حسونة، أمين عام الجامعة العربية في ستينيات القرن المنصرم، ضيفا ثانيا على وليمة عامة أقامها احد نواب مادبا لمسؤول كبير في عمان، وجاء حسونة برفقته. ولتلك الوليمة، التي حصلت في ذلك الوقت، حديث طويل احتل ثلث رواية اكتبها وقاربت على الإنتهاء…… الحديث هنا حول بعض ما جرى بعد انتهاء الوليمة الرسمية ..وفتح الأبواب للطارة الثانية من الناس العاديين.
أبو فايز، وهو خمسيني أشقر متكرش بعينين تتحركان بسرعة فائقة، جلب طنجرة عملاقة، ودخل مبتهجاً، صاعداً إلى الطابق الثاني، حيث المناسف. وشرع يملأ زوادته المعدنية، دون أن يلفت نظر المتواجدين، بالملاعق والسكاكين الفضية. ونثر فوقها القليل من الرز، توّجها بقطع عدة من اللحم اختارها على عجل، ومن دون رويّة، ثم صب فوقها القليل من الجميد السائل، وحملها، وبدأ مرحلة النزول وهو ينوء بحمله الثقيل.
استراح قليلاً، نفض العرق المنساب على جبينه وفوديه وعروق يديه المنتفخة. الدرج غير منتظم.
خطوة..
خطوتان..
ثلاثٌ.
أنهى الشاحط الأول بنجاح. “لقد نجوت”، بدأ رحلة نزول الشاحط الثاني.
خطوة..
خطوتان..
ثلاثٌ.
كاد يصل إلى الساحة، لكنه تعثّر فجأة، فسقطت حمولته على الأرض بدوي هائل، بينما كانت الملاعق والأدوات المعدنية ترقص نازلة ما تبقى من الدرج وحدها، تصدر أصواتاً سمفونية فوضوية، نافضة عن أبدانها ما علق بها من رز ولبن.
صمت مطبق لثوان عدة، ثم انفجر الناس بالضحك؛ الأطفال أولاً، ثم تبعهم الجميع. حاول شاب من أقارب أبو فايز أنْ يمسك بيده ليساعده على النهوض عن الأرض، لكنه نفض اليد الممدودة إليه، ونهض بغضب وعيناه ساكنتان، وخرج.
قهقه بعضهم قليلاً، ثم تناسى الناس الموضوع وعادوا إلى ممارسة الإزدراد بلا تؤدة.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى