نحو «استغراب» مضاد للاستشراق / يوسف غيشان

نحو «استغراب» مضاد للاستشراق
ربما بدافع الإستعلاء على الشعوب الأخرى، أو بسبب الكسل وقلة الحيل، لم نقم قط في محاولة فهم الأمم الأخرى، بينما قام الغرب، وقبل ان يصحو تماما بدراسة الأمم الأخرى ليتعرف عليها قبل أن يستعمرها. اقصد ليس لدينة حركة(استغراب) مواجهة لحركة الإستشراق. ربما تكون اول محاولة فهم للغرب- وهي محاولة ساذجة – قام بها الشيخ رفاعة الطهطاوي.
إذ رغم أن الشيخ رفاعة خرج من اكثر حاضرة عربية تقدما، في ذلك الزمان، الا انه سجل اندهاشه الشديد، مثل طفل يخرج من رحم أمه للتو، من كل ما كان يراه ويسمعه، مذ وطئت قدمه درج الباخرة الفرنسية (لاترويت) التي أقلّته من ميناء الإسكندرية الى ميناء مرسيليا، وصولا الى باريس(باريز، حسب تعبيره).
اتحدث عن الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي ارسله محمد علي الى فرنسا عام 1826 ضمن بعثة علمية ضمت 40 طالبا مصريا لتلقي العلوم الغربية المتنوعة في باريس، وثلاثة شيوخ دين، من اجل امامة الطلبة في الصلاة، والوعظ والإرشاد. بالمناسبة، كان الطهطاوي ضمن الشيوخ، الى أن حولوه الى طالب في البعثة العلمية، بأمر من الخديوي.
سجل الطهطاوي رحلته في كتاب (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، وكان الكتاب، في ذلك الزمان، نافذة عربية للدهشة انفتحت على العالم. يقول الطهطاوي في الكتاب( وقد قويت شوكة الإفرنج ببراعتهم وتدبيرهم بل وعدلهم ومعرفتهم بالحروب، وتنوعهم واختراعهم فيها. ولولا أن الإسلام منصور بقدرة الله – سبحانه وتعالى- لكان لاشئ بالنسبة لقوتهم وسوادهم وثرواتهم وبراعتهم وغير ذلك). طبعا، تلاحظون أن لغة شيخنا الأزهري كانت ركيكة، اقصد اننا كنا متخلفين في ذلك الوقت، حتى في مجال اللغة العربية، التي هي مجال فخرنا.
ما علينا!!….اذ رغم ان رفاعة الطهطاوي عاد الى مصر واشتغل في الترجمة والتأليف، ثم تم نفيه الى السودان في عهد الخديوي عباس، ثم أعاده الخديوي سعيد، ثم فصله من عمله، ولم يعد اليه الا بعد وفاة الخديوي، واستلام الخديوي اسماعيل للسلطة …هذه صعوبات واجهها المثقف وما يزال في جميع ارجاء الوطن العربي، وصارت جزءا من نسيجنا الاجتماعي، لا نرفضه ولا نحتج عليه، بل نعتبره مجرد مضاعفات ثانوية ممكنة.
وهنا يأتي بيت القصيد، اذ اعتقد اننا ما نزال في انتظار عودة رفاعة الطهطاوي، وأن الشعب العربي وحكوماته هما مثل فلاديمير واستراغون في مسرحية (في انتظار غودو) ، مجرد اشخاص يثرثرون ويتقاتلون ويتصالحون ويتحالفون ويفترقون ويتناسلون ويموتون ويولدون ويموتون في انتظار غودو…في انتظار الأمل …في انتظار التنوير..في انتظار النهضة العلمية والأخلاقية.
وما نزال، شعوبا وحكومات، ننظر بدهشة الى المنجزات العلمية والإنسانية العاليمة ، ولا نساهم فيها الا بالقليل القليل .
وتلولحي يا دالية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هم نهضوا لانهم استشرقوا .. ونحن عادينا الغرب والاستغراب..
    اشكرك استاذي على المقال 🙏

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى