في العيادة الشعبية / قصة قصيرة

[review]

مدرسة ابتدائية كانت تتوسط الحي , بجوارها بعض البقالات الصغيرة ومطعم يبيع الفول والفلافل , امامه ساحة ترابية تتجمع فيها النفايات والاوحال ويلعب في ارجائها اطفال حفاة , على حافتها بالقرب من الشارع يجلس عجوز على صفيحة مسندا ظهره الى عمود كهرباء , ويبيع بذورا محمصة وضعت في لفافات ورقية مأخوذة من دفاتر ومجلات قديمة , وعلى امتداد سور المدرسة يوجد رصيف هو ملتقى شباب الحي من مختلف الاعمار , حيث تتشكل مجموعات صغيرة من الاصدقاء ابتداءا من ساعات ما بعد الظهيرة عندما تبدأ رحلة الشمس نحو الغروب , احمد وابراهيم كانا يجلسان على الرصيف ويستندان الى السور عندما قدم ثالث الشلة حامد وقد لف كفه بقطعة قماش تشربت بالدماء , وتعلو وجهه ابتسامته المعهودة والغريبة اذ كان اذا ضحك بدا وكأنه يبكي , لذلك ومع اصابته شك صديقاه فعلا ان كان يبكي ام يضحك ..

كنت احاول اصلاح خزانتي القديمة فجرحت يدي جرحا بسيطا وكشف عن كفه فاذا به جرح كبير بحاجة للتقطيب لوقف النزيف , فبادره احمد .. يا مجنون لماذا لم تذهب الى الطبيب .. فتوسعت ابتسامة حامد الغريبة وهو يقول اتريد ان يطردني أبي من البيت .. تخيل ان اطلب منه بضعة دنانير لأذهب الى الطبيب وهو بالكاد يتمكن من تأمين الخبز لعشرة أفواه .. ثم اتفقوا على الذهاب الى المستوصف الحكومي وكان يسمى العيادات الشعبية,

دلف الاصدقاء الى المستوصف وكان مكتظا كالعادة , نساء يحملن اطفالا باكين , مسنون يتعكزون على عصيهم واحفادهم , عمال نظافة بحاجة الى تعقيم ونظافة , وباحة المستوصف كانت اشبه بسوق شعبي , وصلوا الى غرفة الجراحة وقد انتظم مراجعوها في طابور يمتد الى عدة امتار فانتظموا في الدور , كانت عيون كل المصابين المنتظرين تشخص نحو باب الغرفة , فتح الباب فخرجت ممرضة واغلقت الباب من خلفها , كانت امرأة طويلة وبدينة ترتدي ثيابا بيضاء تكشف عن ساقين ضخمتين مقرفتين , ثيابها لم تكن ناصعة , لها شعر مجعد يخالطه الشيب ووجه عابس مخيف قد امعنت في تشويهه باصباغ حمراء وخضراء , مرت والعيون ترقبها حتى اذا اقتربت من حامد وصحبه تبادلوا النظرات ثم انفجروا بالضحك , ولما كانت ضحكات حامد تلفت الانظار فقد رمقته العملاقة بنظرة حاقدة احس معها بانها ستبتلعه .. ومضت , واستمر الاصدقاء بالضحك حتى سالت دموعهم وكلما اوشكوا على التوقف عادوا يقهقهون من جديد , ثم تمالك ابراهيم نفسه بعض الشيء فوجه حديثه الى حامد .. ماذا لو كانت هي من ستقطب لك جرحك يامسكين .. فصعق حامد واختفى الضحك للحظات وساد الصمت , ثم انفجروا ضاحكين مرة اخرى ..

مقالات ذات صلة

وعادت الغولة كما وصفها حامد الى غرفة الجراحة وقبل ان تغلق الباب رمقته بنفس تلك النظرة المرعبة فما كان منه الا الاصرار على الهرب فمنعه رفيقاه واوصياه بالثبات ..

فتح الباب بعد حين وبرزت رأس العملاقة وكان لايزال سبعة اوثمانية من المراجعين يسبقون حامد في الطابور , فنظرت اليه واشارت له بحركة من رأسها للدخول .. فتجمد في مكانه ولم يتزحزح فجذبه صديقاه وادخلاه عنوة الى العيادة فارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الممرضة ولم يجرؤ احد من المراجعين على الاعتراض بل ابتسموا لابتسامتها .. الاوغاد ..

كل المتواجدين في المكان تعاطفوا مع حامد اذ سمعوا صراخه خلف الباب فيما اوشك رفيقاه على البكاء ..

Mahmoudhxyz@hotmail.com

Amman

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى