بنطلونه بوجعه / يوسف غيشان

بنطلونه بوجعه
أكره الأعياد وأتحول أثناءها إلى كائن مقموع ومضبضب وحزين ينتظر انتهاء هذه الهيزعة التي يكون فيها مثل الطالب اليتيم في حفل مدرسي على شرف الآباء . في الأعياد ، كنا نعاني أضرارا بيولوجية حيث كان الوالد يأخذنا إلى نجيب القيضي، وهو صاحب محل كنادر ( باله خلاعية خربانة )يعالجها على سندانه الصدئ .ولما كنا نخشى أن لا يجد الوالد أحذية على قياسات أرجلنا ، فقد كنا نوافق على أول فردة حذاء ندحشها في حوافرنا .
تبدأ المأساة صباح العيد ، حيث نكتشف ان الفردة اليمين ضيقة والفردة الشمال واسعة تفتك بأصابع أقدامنا بكل صرامة ، فتسيل الدماء ونظل نعرج لكننا نقنع الأهل بأن المشية العرجاء هي من مقتضيات ( الجعصة ) في العيد ، وكانت هذه الكذبة تمر عليهم لأن معظم أولاد الحارة يمشون بشكل افكح احتفاء بهذه المناسبة السعيدة .
أما البنطلونات ، فحدث ولا حرج ، إذ كان شراء الكندرة يشي بأننا سنظل لثلاثة أعياد قادمة بلا بنطلونات ( من البالة طبعاً ) ، وهذا ما كان يجعلنا ( نحرن ) ، وندعي المرض وننسدح في الفراش بينما يدخل المهنئون بالعيد ويخرجون ، حتى لاحظ أحدهم إننا لا نمرض إلا في الأعياد من نكتة عابرة حكيتها له ، ففي السبعينات كان أخي متمارضاً كالعادة لأنه لم يحصل على بنطلون طازج منذ آخر زيارة لمذنب ” هالي ” وحينما سألني ذلك الزائر عن المرض الذي يعاني منه أخي، قلت له بكل سماجة :
– بنطلونه بوجعه .
أخي الآن يرتدي البدلات وربطات العنق ويحط ساقاً على ساق بكل وقار وهيبة، لأن حذاءه لامع ولا يقل بنمرتين عن مقاس حافره وجرباناته وغير مثقوبة ولا يظهر ” القشب ” من تحتها . الأنكى من ذلك ان مستر ( أخي ) الذي كان يعاني من مغص دائم في ” البنطلون ” في كل عيد ، لا يتورع الآن عن إهدائي بعض بنطلوناته ” الهبيانة ” التي انقرض موديلها أو انفرط سحابها ، وأنا ما زلت أتقبلها بكل رحابة ” خصر ” لأني اعتدت على الشرشحة والمرمطة ، فقد تآلفت مع كل شيء لكني لم ولن أتالف مع الأعياد .
التجربة التي مررت بها مرّ بها الكثير من الناس حتى لو كابروا وتكابروا ، ويمر بها حتى الآن بشكل أسوأ الكثير من الأطفال الارادنة ، وهذا ما يجعلني أتفاءل بأن الأردن لن يكف عن إنجاب الكتاب الساخرين ، وهذه إحدى أفضال الحكومات على المواطن الأردني ، وبفضل هذه السياسات الحكومية سيظل الفقر والجوع والطفر رفيقاً دائماً للشعب الأردني .
من كتابي(برج التيس) الصادر عام1999

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. تحياتنا للكاتب المميز يوسف غيشان وأطيب التمنيات بمناسبة الأعياد المجيدة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى