هذا وقت تشكيل حكومة للنهضة بشرط تغيير نهج الدولة وفكرها

آراء الكباريتي والمعشر تفتح النقاش عن الاصلاح في ما بعد الكورونا

هذا وقت تشكيل حكومة للنهضة بشرط تغيير نهج الدولة وفكرها
طاهر العدوان

أسوأ الأفكارالتي يتم طرحها تلك التي تحافظ على السياسات التقليدية في السياسة والاقتصاد والموقف من الاحتلال

لم يعد المواطن يسمع من الحكومة غير التفاخر بقدرتها على الاقتراض الذي يضع المديونية على قضبان القطار السريع

لا معنى لانتخابات نيابية جديدة بدون قانون انتخاب يقود لحكومة نيابية

قرأنا آراء لإثنين، من السياسيين والاقتصاديين المخضرمين، عن ما يجب عمله على مستوى الدولة لمواجهة مرحلة ما بعد كورونا.
في مقابلة صحفية دعا رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي ” الى مكاشفة لما يحمله المستقبل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والمشاركة الحقيقية في صنع القرار، مضيفا ان الدستور والميثاق الوطني يشكلان أفضل قاعدة واساس للعمل بشرط الالتزام بهما نصا وروحا لا شكلاً”. …. ، فيما قدم نائب رئيس الوزراء السابق الدكتور رجائي المعشر مقترحات لإعادة هيكلة الادارة العليا ” داعيا الى ترشيق الجهاز الحكومي بدمج العديد من المؤسسات والوزارات لتحسين إنتاجية وأداء الادارة العليا “.

تأتي هذه الاّراء والأفكار في مرحلة تاريخية غير مسبوقة تمر بها الدولة الاردنية ،كما تمر بها معظم الدول ، مع اجماع في الاّراء على الساحة الدولية بان العالم بعد الكورونا لن يكون نفسه قبلها، ان دعوات التغيير ليست مجرد تنظير صادرة عن سياسيين ومفكرين وإنما هي استجابة لتحدي تواجهه الشعوب سيتمثل بموجة من الأزمات الطاحنة المتوقعة على المستويات السياسية والاقتصادية الخ .

ان أسوأ الأفكار التي يتم طرحها هي الحفاظ على السياسات التقليدية السابقة والحالية ، في السياسة والاقتصاد ، وكأن جائحة كورونا لم تكن ، بالمناسبة ، الجائحة ليست فقط صحية ،انما سياسية واقتصادية وريح عاصفة بالعلاقات الدولية.
مثل هذه الأفكار ، تنتمي الى عقائد بائدة وفاشلة للانظمة الديكتاتورية والأخرى المناهضة للديموقراطية التي قد يسوقها الوهم بانه من السهل الاغلاق على افكار الشعوب وتطلعاتها الى الحرية والعدالة ، باستخدام بث الخوف من الأوبئة او من الفقر من اجل تكريس أنظمة الطوارئ . فالشعب الامريكي لم ترهبه الكورونا عندما انتفض ضد عنصرية ادارة ترمب التي أودت بحياة مواطن اسود .

في بلدنا السؤال الذي يجب ان يطرح : ما هي التحديات التي تواجهنا في الأشهر والسنوات القادمة على كافة المستويات ؟ في رأيي انها تحديات مصيرية تتطلب تشكيل حكومة للنهضة بشرط تغيير نهج الدولة وفكرها وعقيدتها .

– التحدي الاول يتعلق بمواجهة الأوضاع المالية والاقتصادية ، ما يستدعي البحث في الخيارات والبدائل من قبل خبراء ماليين واقتصاديين ، وهذا يتطلب اولا مراجعة السياسة الاقتصادية خلال العقدين الاخيرين ، التي وضعت أهدافا ثبت انها مجرد سراب ليبرالي ، اعتمد على عقلية المضاربة والربح السريع ،فكانت ترتيبات الخصخصة المتعجلة، التي افقدت الاقتصاد الوطني اهم اصوله وموارده . فوصلنا الى حال لم يعد يسمع فيها الشعب من الحكومة غير التفاخر بقدرتها في الحصول على القروض التي تضع مديونية البلاد على قضبان القطار السريع ، بالاضافة الى القرع اليومي على اذان المواطنين بفنون تحصيل الضرائب من جيوبهم وصولا الى مدخراتهم .

نريد ويريد الاردنيون ان يسمعوا عن تحولات ومخططات استراتيجية ،للمراحل القصيرة والمتوسطة والبعيدة ، تحمل الأمل في اعادة الحياة للاقتصاد الوطني ، بخلق إمكانات التطور والتنمية بكفاءة ادارية تستخدم مداخيل الدولة المالية الداخلية والخارجية بمزيج من الكفاءة والشفافية .

– التحدي الثاني ، اعادة الحياة للشعار الأردني العتيد ” الانسان أغلى ما نملك ” وتجسيده عمليا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

لقد صك الحسين رحمه الله هذا الشعار في معرض الإشارة الى دور المواطنين الكبير في ازدهار البلاد وعمرانها عندما غادر مئات الألاف من الاردنيين وطنهم للعمل في الاسواق الخارجية من دول الخليج الى أوروبا وأستراليا وأمريكا فأصبحت تحويلات المواطنين المالية النهر الخفي في البناء والتنمية ومواجهة البطالة ورفد الموازنة العامة.

بعد الكورونا يتوقع استقبال عشرات الألاف من الاردنيين الفاقدين لوظائفهم ، فأسواق العمل الإقليمية والعالمية أصبحت طاردة لهم . حان الوقت للبحث عن شراكات اقتصادية ،إقليمية ودولية ، تسمح بزيادة الصادرات واستقبال المهارات الاردنية .

– ولا يمكن ان يصح شعار الانسان أغلى ما نملك بدون اجراء تغيير جذري في النهج السياسي المسؤول عن قرارات الخصخصة السابقة ،التي جرت وراء أبواب مغلقة وباستهتار تام بحق الرأي العام في المساءلة والمراقبة.

لم تجري نقاشات مؤسسية في مجالس النواب لعمليات الخصخصة الكبيرة، خصخصة غيرت معظمها ملكية الموارد الاساسية العامة من شركات ومؤسسات لصالح مستثمرين من الخارج والداخل ، سعوا الى جني الأرباح وتصدير الاموال الى الخارج بدل اقامةاستثمارات رأسمالية جديدة .

واليوم ونحن نواجه هذه الازمات المحلية والدولية الطاحنة ، نستذكر مثالاً سيئاً عهد الليبرالية الجديدة عندما تم تفريغ ” صندوق الأجيال ” من موارده لصالح سداد مديونية ، لم تكن ملحة ولا عاجلة ، هذا الصندوق الذي أُسس على قاعدة ” احفظ قرشك الأبيض ليومك الاسود” !!.

– التحدي الثالث ، لا يقل أهمية وخطورة عن التحديات الاخرى ، هو مواجهة سياسة ضم الضفة المختلة من قبل الاحتلال الاسرائيلي ، وتدمير أسس قيام دولة فلسطينية ،وهي سياسات غير مسبوقة في شدة خطورتها على القضية الفلسطينيية وعلى الامن الوطني الأردني . مع ذلك لا نرى تغيراً في سياسات الدولة تجاه اسرائيل يكون حازماً وفاعلا في الدفاع عن مصالحنا الوطنية وعن قضية شعبنا الاولى ، قضية فلسطين .
يجب كنس تلك السياسة التقليدية القائمة منذ توقيع وادي عربة بحجة الالتزام بالمعاهدة ، في الوقت الذي مارست فيه اسرائيل كل ما من شأنه تأكيد اطماعها في التمدد والاحتلال ونسف كل ما يتعلق بكلمة سلام .

ان مسألة اعادة النظر في عقيدة الدولة تجاه الاحتلال الاسرائيلي واعتباره خطرا يهدد امننا وعدالة قضية شعبنا وشعب فلسطين ستخلق تحديا خارجيا امام الدولة ،من شأنه تقوية الجسور بينها وبين الشعب ، وهو عامل محفز للنهضة ولسياسة تنمية مسألة الاعتماد على الذات، كما انه يعيد الاعتبار للدور الأردني الجيوسياسي في مسألة الامن والسلام بالمنطقة والعالم .

ومن المخاوف ان تستغل امريكا واسرائيل حاجة الاردن الاقتصادية والمالية لفرض تغييرات في عقيدة الدولة وهويتها وسياساتها بما يناقض مصالح وأمن الاردن الوطني ويبعدها عن العلاقة المصيرية بين الاردن وفلسطين .

كل هذه التحديات الخطيرة لا يمكن للدولة ان تنجح في مواجهتها الا بإنجاز هدف أساسي رئيسي وهو اقامة جسور قوية بين النظام وبين الشعب ،كما كانت دائما في عقود سالفة . وبعبارات أوضح ، لا يمكن للنظام ان ينجح في مواجهة مراحل ما بعد كورونا “ونزع الفأس من الرأس ” بعمليات ناجحة كما قال الكباريتي الا بإعادة النظر في ادارة السياسة وبحث خياراتها المختلفة انطلاقا من العودة الى دستور ٥٢ والميثاق الوطني ، والقيام باصلااحات سياسية شاملة ، بدونها سيكون الفشل حتميا في المسارالاقتصادي والسياسي قد يخلق توترات اجتماعية تحت ضغط البطالة والأعباء المالية المتزايدة على الأفراد والمؤسسات .

– ( من هذا الباب لا قيمة إضافية لإجراء انتخابات نيابية ، سواء حصلت بعد أشهر او بعد عام ، الا بوضع قانون انتخابات يسمح بوصول حكومة برلمانية للدوار الرابع تقابلها معارضة برامجية في العبدلي . ) ان الاستمرار في مثل هذا الوضع يكرس غياب اليات النقد وترشيد التنمية والتصدي للفساد ، كما يبقي على واقع افتقار البلاد الى ساحة سياسية فاعلة ونشطة تجعل من الرأي العام قوة صلبة داعمة للقرارات والسياسات ذات البعد الاستراتيجي ،والمساهمة في تحديد خيارات الدولة والشعب. ( بالمناسبة غياب مثل هذه الساحة مسؤول عن أزمة الصحف الورقية كما هو مسؤول عن شل قدرات المجتمع في النهضة والتطور على اكثر من مسار ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى