الثقة مفقودة / باجس القبيلات

   الثقة مفقودة

 كتبت الروائية الجزائرية (أحلام مستغانمي) في روايتها (عابر سبيل): “لا تصدق أن الأشياء مضرة بالصحة، وحدهم الأشخاص مضرون وقد يلحقون بك الأذى أكثر مما تلحق بك الأشياء التي تصر وزارة الصحة على تحذيرك من تعاطيها، لذا كلما تقدم بي العمر تعلمت أن أستعيض عن الناس بالأشياء، أن أحيط نفسي بالموسيقى والكتب واللوحات والنبيذ الجيد، فهي على الأقل لا تكيد لك ولا تغدر بك، إنها واضحة في تعاملها معك، والأهم أنها لا تنافقك ولا تهينك ولا يعنيها أن تكون زبالا أو جنرالا” .

حديث الروائية (مستغانمي ) يحمل في طياته شيئا كثيرا مما حدث في البلاد في الأيام القليلة الماضية، ابتداء من الغضب العارم الذي اجتاح قبيلة الحويطات إزاء تضامنها مع الجندي (معارك التوايهة) الذي حكم بالسجن المؤبد لاتهامه بقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين بقاعدة الجفر الجوية في نوفمبر الماضي، وانتهاء بحادثة السفارة الأسرائيلية التي راح ضحيتها إثنان من أبناء الوطن على يد أحد حراس السفارة .

تابعوا ما أقول :  لقد أثارتني تلك الأنباء التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك لم أكتم غضبي، فقد علتني غصة قاسية وكادت عيناي تنفجران من هول الأنباء، فالعدالة ليست كلمة فجة وطبيعتي دائما الصدق مع نفسي، فقد كنت أحسب أن هذا كله زور وبهتان فلا أحد يمكنه أن يصدق كلمة واحدة من هذا الهراء؛ لأن الأردني مخلص ووفي ولا يعرف غير الطاعة والتضحية سبيلا، ولكنني بعدما رأيت وتمحصت جيدا في الفيديو الذي نشرته القوات المسلحة لبيان حقيقة العمل الفضوي الذي قام به (معارك التوايهة )، وجدت أن من غير المعقول مجابهة الجنود الأمريكان لدى دخولهم مدخل القاعدة بإطلاق العيارت النارية ومهما بلغ استفزازهم وهذا يدفعني إلى أن أؤكد جازما كل الجزم أن الجاني أخطأ خطأ فادحا .

أما الحادثة الثانية، فقد تعددت فيها الروايات، لذلك تأخذني تخيلاتي إلى نسج قصة قريبة من الواقع حول الموضوع، وإن كان يبدو عليها طابع التعاطف مع (الجواودة)  والطبيب (الحمارنة) إلا أنني أرجح أن الاشتباك الذي وقع في باحات المسجد الأقصى في إحدى صلوات الجمعة قبل فترة وجيزة وأسفر عن مقتل ثلاثة فلسطنيين وجنديين إسرائيليين وما تخلل ذلك من إغلاق كامل للمسجد وحظر إقامة الصلاة فيه، دور في وقوع حادثة السفارة الإسرائيلية الذي فيه من الحطة والدناءة ويبلغ من شدة ما يبعثه في النفس من اشمئزاز ، حدا لا أستطيع أن أجد كلمات تعبر عنه .

 
في هذه الظروف التي تسود المنطقة، لا أظن أن أحدا يحب إيذاء الآخر أو قتله لمتعة القتل، ولكن كل واحد أصبح يعتقد أنه إن لم يكن القاتل فسيكون القتيل ، إنها قضية ثقة، لقد فقدنا بعضنا الثقة ببعض، نعم الثقة مفقودة، والضغينة موجودة منذ زمن بعيد، ولكن في السنوات الأخيرة اتسعت، إنه زمن الانجراف نحو الشر  .

كل ما ذكرت حول الأحداث التي وقعت في البلاد في الأسبوعين الأخيرين، هو اقتناع داخلي يستند إلى مشاعر وأحاسيس فقط .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى