أمّ العيال / ميس داغر

أمّ العيال

في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، الأولاد جميعاً نائمون، والبيت نظيفٌ كالفلّة، تجلسُ أمّ العيال بعد نهارٍ شاق أمام شاشة التلفاز وحيدة، تقلّب القنوات، وتتذكر ما أنجزته من المهام المنزلية منذ الصباح. تفعل ذلك أثناء انتظار زوجها المعتاد على السهر خارج المنزل حتى هذا الوقت المتأخر.
ريّ مزروعاتها الجميلة، توضيب الغرف وتنظيف الأرضية، إعداد ثلاث وجبات تعشقها العائلة من تحت يديها، غسل الملابس الذي لا ينتهي، نشرها، لمّها وطيها، كيّ عشرة بناطيل وخمسة عشر قميصا، تدريس الأبناء ومتابعة واجباتهم المدرسية، ومهام أخرى كثيرة يتضمنها نهارها المنزليّ المضني، قبل هذه الراحة المسائية.
تجلس أمّ العيال مثل هذه الجلسة الوحيدة المتأخرة كل يوم تقريباً. وفي انتظار زوجها الذي لا يبكّر بعودته أبداً، تفكّر والحدسُ يذبح قلبها فيما قد يفعله أثناء كل هذا الغياب.
تُرسي بحثها التلفزيوني على فيلمٍ في إحدى القنوات، حيث ممثلان عاشقان يتبادلان أفكارهما بشأن هذه الحياة:
“يسأل الممثلُ الممثلةَ عن حال الإنسان في الحياة، فتجيبُ الممثلة: الإنسان في هذه الحياة كالحمار الذي يظل يلاحقُ قطع السكاكر، ولا ينتبه للعشب الأخضر الذي حواليه”. ثمّ يضحك الممثلان العاشقان حتى يتعبا.
في حين تسحّ أم العيال الدموع الثقال بحُرقة، لأنّ الحمار المنفلت لجامه في مطاردة السكاكر، لا ينتبه أبداً للعشب الأخضر الذي حواليه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى